المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

77

 

الآية الثانية:

قوله تعالى:﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾(1). وتقريب الاستدلال بها: أنّ خصوصيّة الرسول ملغاة بحسب الارتكاز العرفيّ، ويكون موضوع الحكم المستفاد من الآية عرفاً مطلق البيان، والرسول إنّما ذكر باعتبار كونه مبيّناً للحكم، إذن فالآية تدلّ على مضمون قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وقد استشكل في ذلك تارةً بأنّ الآية إنّما تدلّ على نفي العذاب لا على نفي الاستحقاق وعدم الإلزام الذي هو المقصود، ونفي الفعليّة أعمّ من ذلك، واُخرى بأنّ المقصود بالعذاب العذاب الدنيويّ الواقع في الاُمم السابقة لا العذاب في الآخرة، والظاهر أنّ هذا إنّما استفيد ممّا في الآية الشريفة من التعبير بصيغة الماضي؛ إذ ليس هنا شاهد آخر على كون الآية في مقام التحدّث عن الاُمم الماضية والعذاب الواقع في تلك الأزمنة.

ويندفع الأوّل بأنّه إنّما كان له مجال لو كان النفي داخلاً على العذاب ابتداءً بأن يقول: (لا نعذّب)، أو (ما عذّبنا) كما هو طبع القضيّة ابتداءً في مقام الإخبار عن عدم العذاب، فإنّ ما يقصد الإخبار عن عدمه يدخل النفي عليه، والعدول عن هذا التعبير إلى إدخال أداة النفي على مادّة الكون بتعبير نفي كونه معذّباً أو كونه ليعذّب، فهذا لا يناسب نفي الفعليّة فحسب، بل هذا العدول إلى التعبير الثاني نكتة في نظر العرف لظهور الكلام في نفي الشأنيّة، وأنّ كون المتكلّم ووجوده لا يناسب هذا الفعل، كما في قولك: (لم أكن لأخون صديقي)، أو (لم أكن خائناً لصديقي)، أو (لم أكن



(1) سورة 3 الإسراء، الآية: 15.