المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

478

فتحصّل: أنّ البراءة الشرعيّة غير جارية في المقام، لمحذور إثباتيّ.

وفصّل السيّد الاُستاذ(1) بين حديث الرفع وحديث (كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام)، فاختار أنّ الأوّل وإن كان شاملاً لما نحن فيه إلاّ أنّ الثاني غير شامل له؛ لمحذور ثبوتيّ وهو عدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهريّ الذي هو الشكّ؛ إذ الحلّيّة ـ التي هي عنوان يستخلص من الترخيص في جانب الترك والترخيص في جانب الفعل ـ ممّا نقطع بخلافها، للعلم بأنّ هذا الأمر إمّا واجب أو حرام. وعلى أيّ حال لا يكون حلالاً، ومع العلم بعدم الحلّيّة كيف يعقل جعل الحلّيّة ظاهراً؟ وهذا بخلاف حديث الرفع فإنّه ينفي كلاًّ من الوجوب والحرمة مستقلاًّ، ونفي كلّ واحد منهم محتمل الصدق، غاية الأمر أنّنا نعلم إجمالاً بكذب أحدهما، وهذا العلم الإجماليّ لا يوجب تعارض البراءتين وعدم جريانهما؛ إذ المفروض أنّه غير منجّز.

أقول: إنّ هذا الكلام مبنيّ على أنّ موضوع الحكم الظاهريّ عبارة عن الشكّ في حكم واقعيّ مماثل للحكم الظاهريّ، وهذا غير صحيح، كما يظهر بالتأمّل فيما نقّحناه في حقيقة الحكم الظاهريّ. وبيان ذلك: أنّنا يجب أن نرجع إلى نكتة موضوعيّة الشكّ للحكم الظاهريّ، ويظهر من الالتفات إلى حقيقة الحكم الظاهريّ بالنحو الذي بيّنّاه: أنّ نكتة ذلك هي أنّ الحكم الظاهريّ عبارة عن إعمال الترجيح عند مزاحمة الغرضين في عالم المحرّكيّة، ومع عدم الشكّ لا تعقل مزاحمتهما في عالم المحرّكيّة، وبهذا تعرف أنّ موضوع الحكم الظاهريّ ليس هو الشكّ في حكم واقعيّ مماثل له، وإنّما موضوعه الشكّ بنحو يوجب تزاحم الغرضين في المحرّكيّة، ومن المعلوم أنّ هذا ثابت فيما نحن فيه، فليس في المقام إشكال ثبوتيّ.



(1) راجع مصباح الاُصول، ج 2، ص 332.