المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

477

عنها، فكيف يحتمل أنّه عند تزاحمها مع الوجوب يتحفّظ المولى عليها؟ وكذلك إذا فرض أنّ الوجوب عند تزاحمه مع مجرّد الترخيص والإباحة لا يتحفّظ المولى عليه، ويجعل البراءة عنه، فكيف يحتمل إنّه عند تزاحمه مع الحرمة يتحفّظ المولى عليه؟ فظهر من ذلك أنّ المولى فيما نحن فيه لا يتحفّظ لا على جانب الوجوب ولا على جانب الحرمة، بل يجعل البراءة والترخيص.

قلت: ظهر ممّا مضى أنّ جعل المولى للبراءة في قبال الشبهات الوجوبيّة والشبهات التحريميّة دليل على أنّ مصلحة الترخيص في المباحات أهمّ من المصلحة الإلزاميّة في الواجب والحرام، فاندكاك كلّ من الوجوب أو الحرمة في قبال هذا الأمر الأهمّ لا يستلزم اندكاك كلّ واحد منهما في قبال الآخر، فقد يندكّ الشيء في قبال الأهمّ ولا يندكّ في قبال المهمّ(1).



(1) لا يخفى أنّ هذا البيان بطوله مبتن على القول بأنّ التزاحم بين الملاكات الواقعيّة الإلزاميّة والترخيصيّة الذي أوجب البراءة لتقديم جانب التسهيل إنّما هو عبارة عن التزاحم بين ملاك الإلزام في الإلزاميّات وملاك الترخيص في الترخيصيّات، الذي هو غير مفروض الوجود في الإلزاميّات.

أمّا إذا قلنا: إنّ ملاك التسهيل موجود في تمام الاُمور حتّى فيما قطع فيه بالإلزام، إلاّ أنّ هذا الملاك في مورد القطع بالإلزام مزاحم بملاك الإلزام، ويكون ملاك الإلزام أقوى منه، ولذا نرى أنّ الشارع جعل الحكم الواقعيّ فيه عبارة عن الإلزام لا الترخيص، وفي مورد الشكّ في الإلزام تضعف محرّكيّة ملاك الإلزام، باعتباره ملاكاً احتماليّاً ومزاحماً بملاك قطعيّ، وهو ملاك التسهيل، ولهذا جعل الشارع في المقام البراءة، فهذا البيان بعينه يأتي في مورد دوران الأمر بين المحذورين، بل يتمّ في المقام بطريق أولى؛ إذ لو كانت مصلحة التسهيل مقدّمة على مصلحة الإلزام الاحتماليّة غير المبتلاة بالمزاحمة ـ لاحتمال الإلزام بالنقيض ـ فكيف لا تتقدّم على ما هو مبتلىً بذلك؟