المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

476

في الجمع بين الأحكام الظاهريّة والواقعيّة، من أنّ حقيقة الحكم الظاهريّ عبارةعن تقديم جانب أحد الغرضين المتزاحمين في عالم المحرّكيّة على الآخر، وبيان نتيجة التزاحم، فإذا اشتبه الواجب أو الحرام بالمباح مثلاً، فقد يحكم ظاهراً بالوجوب أو الحرمة، تقديماً لمصلحة الحكم الإلزاميّ، وقد يحكم ظاهراً بالإباحة تقديماً لمصلحة التسهيل وجعل العبد مطلق العنان، وبعد الالتفات إلى ذلك نقول: إنّه فيما نحن فيه ليس التزاحم بين مصلحة الإلزام ومصلحة الترخيص، وإنّما التزاحم بين مصلحتين إلزاميّتين، فإن فرض رجحان جانب الوجوب عند التزاحم ـ فلا محالة ـ يجعل الحكم الظاهريّ في صالح الوجوب، وإن فرض رجحان جانب الحرمة جعل الحكم الظاهريّ في صالح الحرمة، وإن فرض تساويهما لم يلزم المولى في عالم الظاهر عبده بأحد الجانبين، بل يرخّصه ويطلق عنانه، فظهر أنّ البراءة المتصوّرة في المقام قائمة على أساس تساوي المتزاحمين الإلزاميّين، لا على أساس مصلحة التسهيل، وتقديم جانب التسهيل في الشريعة على جانب الإلزام.

وأمّا صورة البراءة المستفادة من أدلّة البراءة فالظاهر من أدلّتها جعل البراءة بملاك التسهيل، وتقديم جانب التسهيل في الشريعة على جانب الإلزام، ففي حديث الرفع ـ الذي هو أهمّ أدلّة البراءة ـ امتُنّ على العباد بجعل هذا التسهيل، وقد عرفت أنّ البراءة المتصوّرة في المقام ليست قائمة على هذا الأساس، فأدلّة البراءة قاصرة عن إثباتها.

إن قلت: إنّ أدلّة البراءة وإن كانت لا تدلّ بمدلولها الحرفيّ على البراءة فيما نحن فيه إلاّ أنّها تدلّ بالدلالة الالتزاميّة على البراءة هنا؛ إذ لو فرض أنّ الحرمة عند تزاحمها مع مجرّد الترخيص والإباحة لا يتحفّظ المولى عليها، ويجعل البراءة