المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

474

وإن فرض الثالث قلنا: إنّ نسبة العلم إلى الطرفين على حدّ سواء، فتأثيره في تنجيز أحدهما المعيّن دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.

وهذا البرهان ـ في الحقيقة ـ مركّب من حكمين عقليّين: أحدهما استحالة التنجّز وثبوت حقّ المولويّة فيما هو خارج عن القدرة، وهذا يبطل الاحتمال الأوّل والثاني، والآخر استحالة الترجيح بلا مرجّح، وهذا يبطل الاحتمال الثالث. هذا هو حال العلم، وحاصله: أنّه لا يعقل فيه اقتضاء التنجيز بأيّ وجه من الوجوه.

وأمّا كلّ واحد من الاحتمالين فتارةً يلحظ بما هو طرف من أطراف العلم الإجماليّ ـ أي: بما هو يستمدّ تنجيزه من تنجيز العلم الإجماليّ ـ واُخرى يلحظ بما هو هو:

فإن لوحظ ما هو طرف للعلم الإجماليّ فقد عرفت الحال فيه، فإنّ هذا العلم لم يكن يقتضي التنجيز حتّى يستمدّ هذا الاحتمال تنجيزهُ منه. وإن لوحظ مستقلاًّ، فإن أنكرنا مبدأ البراءة العقليّة، وقلنا بمبدأ منجّزيّة الاحتمال، فهنا كلّ واحد من الاحتمالين لو خلّي ونفسه يقتضي التنجيز؛ لعدم لزوم الترجيح بلا مرجّح؛ إذ كلّ احتمال إنّما ينجّز متعلّقه، لكن هنا يقع التزاحم بين المقتضيين للتنجيز، وتأثيرهما معاً مستحيل، وتأثير أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.

وإن قلنا بمبدأ البراءة العقليّة فعندئذ يثبت عدم التنجّز بوجهين طوليّين:

أحدهما: أنّ الاحتمال في نفسه لا يقتضي التنجيز.

ثانيهما: أنّه لو سلّمنا اقتضاءه للتنجيز فهنا يتزاحم المقتضيان، ويستحيل تأثيرهما معاً، وتأثير أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.

وممّا ذكرناه ظهر ما في كلام الأصحاب حيث ذكر بعضهم: أنّه تجري البراءة العقليّة في الطرفين، وذكر بعض آخر: أنّه لا تجري البراءة العقليّة، وإنّما الثابت هنا التخيير العقليّ، فلعلّ الأوّل كان مقصوده النظر إلى الاحتمال بما هو احتمال فأثبت البراءة العقليّة، والثاني كان مقصوده النظر إلى الاحتمال بما هو طرف للعلم