المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

455

واحد والنهي لا يسقط بالعصيان بإتيان فرد واحد، بل يبقى النهي بلحاظ باقي الأفراد.

أقول: إنّ هذا خلط بين فرقين ثابتين في باب الأمر والنهي:

الفرق الأوّل: ما يكون مرتبطاً بعالم اقتضاء الأمر والنهي، وهو: أنّ الأمر والنهي لو فرض كلّ واحد منهما حكماً واحداً فالأمر بدليّ ـ أي: أنّه يقتضي إتيان فرد واحد ـ والنهي شموليّ ـ أي: أنّه يقتضي ترك تمام الأفراد ـ وما ذكر من أنّ الطبيعة توجد بوجود فرد واحد وتنعدم بانعدام تمام الأفراد نكتة لهذا الفرق.

الفرق الثاني: ما يكون مرتبطاً بعالم الجعل، وهو أنّ الأمر إذا تعلّق بالطبيعة فليس هناك إلاّ حكم واحد، والنهي إذا تعلّق بالطبيعة استفيد من ذلك جعل أحكام عديدة، وسقوط الأمر بإتيان فرد واحد وعدم سقوط النهي بذلك مرتبط بهذا الفرق دون الفرق الأوّل. وعلى أيّة حال ـ أي: سواء فرض النهي شموليّاً بالمعنى الأوّل أو انحلاليّاً ـ فمهما حصل الشكّ في جانب النهي في فرد جرت البراءة؛ لأنّه شكّ في سعة دائرة التكليف، وهذا بخلاف جانب الأمر، فتجري فيه عند الشكّ في فرد قاعدة الاشتغال؛ لأنّ الحكم بدليّ، فالشكّ إنّما يكون في عالم الامتثال.

هذا، ونحن نتكلّم هنا تارةً في الفرق الأوّل، واُخرى في الفرق الثاني، فنقول:

أمّا الفرق الأوّل: فقد ذكروا أنّ طبيعة الأمر تقتضي الإتيان بفرد واحد، وطبيعة النهي تقتضي ترك تمام الأفراد؛ لأنّ الطبيعة توجد بوجود فرد واحد، ولا تنعدم إلاّ بانعدام تمام الأفراد. وقد ناقش في ذلك السيّد الاُستاذ والمحقّق الإصفهانيّ(قدس سره):

أمّا السيّد الاُستاذ فقد ذكر في المقام(1): أنّ مردّ الفرق في الحقيقة ليس إلى



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 328 ـ 329 فهو يقارب ما نقله اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) هنا عن اُستاذه، ولكن لم يذكر فيه التعبير بالفناء في فرد واحد وفي تمام الأفراد.