المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

390

في حال الشكّ وعدمه، فيبرز عدم مطلوبيّة الاحتياط ولو استحباباً، وثالثة يفرض اهتمامه به بدرجة استحباب الاحتياط، وعندئذ يبرز استحباب الاحتياط. وفائدة هذا الإبراز هي المنع عن أن يصل إلى العبد عدم مطلوبيّة الاحتياط وصولاً جزميّاً من باب الاشتباه فلا يبقى له محرّك بالنسبة للاحتياط، أو وصولاً احتماليّاً فيضعف تحريكه بالنسبة للاحتياط.

وقد تحصّل ممّا ذكرناه: عدم محذور في جعل استحباب الاحتياط، وقد مضى استظهار الاستحباب الطريقيّ للاحتياط من الأخبار. نعم، يظهر من بعض الأخبار الاستحباب النفسيّ كقوله: «مَن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومَن ترك ما اشتبه عليه من الإثم كان لما استبان له أترك»، فإنّ هذا يدلّ على أنّ ملاك ترك شرب التتن المحتمل حرمته مثلاً، هو حصول ترك المحرّمات وأن لا يقع بالتدريج في ارتكاب المحرّمات القطعيّة، لا التحرّز عن الحرمة الواقعيّة لشرب التتن، ولا بأس بالالتزام بكلا الاستحبابين لكلتا الطائفتين من الأخبار لو صحّت أسانيد تلك الأخبار.

 

2 ـ تصوير الاحتياط في العبادات

وأمّا المقام الثاني ـ وهو البحث الصغرويّ ـ: فقد وقع الإشكال في تصوير الاحتياط في العبادات بعد الفراغ عن تصويره في المعاملات من ناحية أنّ الاحتياط لابدّ فيه من حصول الغرض المقصود من الواقع المحتاط لأجله، والغرض في باب العبادات لا يحصل إلاّ مع قصد الأمر، وقصد الأمر مع الشكّ فيه لا يمكن إلاّ بالتشريع الفعليّ، ولا فرق في حرمة التشريع الذي هو إسناد ما لا يعلم أنّه من المولى إلى المولى بين التشريع القولي بأن يسند بالقول شيئاً إلى المولى لا يعلم أنّه منه والتشريع الفعليّ بأن يعمل عملاً بقصد أنّه مأمور به من قِبل المولى وهو لا يعلم بذلك، وبهذه الحرمة تبطل العبادة. هذا هو التصوير الابتدائيّ للإشكال.