المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

36

الثاني: اعتبار كون مؤدّى الأصل هو الواقع فيصبح ذلك الأصل تنزيليّاً، كما هو الحال في أصالة الطهارة في قوله: (كلّ شيء طاهر)، فإنّ الظاهر من قوله: (طاهر) أنّه طاهر بالمعنى الذي يقابل القذر الذي جعل العلم به غاية لذلك في قوله: (حتّى تعلم أنّه قذر) وذلك القذر واقعيّ، فالمقصود بالطاهر هو الطاهر الواقعيّ لا الطاهر الظاهريّ، فهو إنشاءٌ للطهارة الواقعيّة تعبّداً، وهذا أيضاً نحو من العناية لها فائدتها في مقام الاستنباط؛ إذ بناءً على هذا ترتّب آثار الطهارة الواقعيّة على محتمل الطهارة، بخلاف ما إذا كان اللسان لسان جعل طهارة ظاهريّة على محتمل الطهارة، فإنّه عندئذ لا يترتّب عليه إلاّ أثر الجامع بين الطهارة الواقعيّة والظاهريّة، لا أثر خصوص الطهارة الواقعيّة(1). وكذلك الكلام في أصالة الحلّ في قوله: (كلّ



(1) فمثلاً لو شككنا في نجاسة ذاتيّة لشيء مّا، وأجرينا بشأنه أصالة الطهارة، ثمّ لاقى نجساً بالرطوبة، فعلمنا إجمالاً بأنّه بعد الملاقاة نجس. إمّا بالنجاسة الذاتيّة، أو بالنجاسة العرضيّة، ثمّ غسلناه بالماء، فشككنا في زوال النجاسة؛ إذ لو كان نجساً بالنجاسة الذاتيّة فهو لا زال نجساً، ولو كان نجساً بالنجاسة العرضيّة فقد طهر، فهل نجري هنا استصحاب النجاسة، أو نحكم بطهارته؟ جواب ذلك مبنيّ على أن نرى أنّ أصالة الطهارة هل هي أصل غير تنزيليّ ومجرّد حكم بالطهارة الظاهريّة، أو أصل تنزيليّ وحكم بالطهارة الواقعيّة تعبّداً؟ فعلى الأوّل يجري في المقام استصحاب النجاسة؛ لأنّ أصالة الطهارة كانت مغيّاة بالعلم بالنجاسة، وقد حصلت الغاية فانقطعت أصالة الطهارة، وبعد الشكّ في بقاء النجاسة يجري لا محالة استصحابها، وعلى الثاني نحكم بطهارة هذا الشيء بعد غسله بالماء؛ إذ من آثار الطهارة الواقعيّة أنّ الشيء الطاهر لو لاقى نجساً تنجّس بالنجاسة العرضيّة، ولو غسل بعد ذلك بالماء زالت عنه النجاسة، وقد لاقى هذا الشيء الذي ثبتت طهارته الواقعيّة تعبّداً النجاسةَ، ثمّ غسل بالماء فقد زالت نجاسته.