المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

35

أقول: حاصل هذا الكلام هو التفرقة بين الاُصول التنزيليّة وغير التنزيليّة فيما هو المجعول في المقام. وهذه الفكرة في نفسها صحيحة، وهي كون مردّ الفرق إلى عالم الجعل والاعتبار، وليس الفرق بينهما فرقاً جوهريّاً، وإنّما هو فرق عنائيّ، والعناية التي بها يكون الأصل تنزيليّاً أحد أمرين غير ما أفاد المحقّق النائينيّ(قدس سره):

الأوّل: اعتبار الكاشفيّة في الأصل التنزيليّ. ولا أقصد بذلك جعل الكاشفيّة والطريقيّة بالمعنى الذي يقول به المحقّق النائينيّ(قدس سره)، بل أقصد بذلك أنّه كما كان جعل الحجّيّة في باب الأمارة بلحاظ ما لها من الكشف الظنّيّ، كذلك يفرض الشارع أنّ الاستصحاب من هذا القبيل، فاليقين السابق بالرغم من عدم كاشفيّته ولو كشفاً ناقصاً وظنّيّاً يفرض الشارع أنّه كاشف وأمارة، فيجعل له الحجّيّة، فكأنّ نكتة جعل الحجّيّة له كانت هي ما فيه من الكشف، كما هو الحال في الأمارة، والكشف كان ثابتاً في الأمارة حقيقة. أمّا هنا فقد فرضه الشارع ادّعاءً وعنايةً ـ أي: فرضه أمارة فحكم عليه بالحجّيّة ـ ولهذا يقول: (ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ)، فكأنّه يقول: إنّه مع وجود الأمارة على المطلب وهو اليقين السابق لا ينبغي للإنسان ترك هذا اليقين السابق لأجل ما طرأ من الشكّ. وهذا القسم من الأصل التنزيليّ مصداقه الاستصحاب(1).

 


مبرّر لحمل الثاني على إعطاء الشأن الثالث من شؤون العلم إيّاه بخلاف الأوّل.

وقد تحصّل: أنّ التفكيك بين الأصل التنزيليّ والأصل العمليّ غير التنزيليّ بالوجه الذي ذكره المحقّق النائينيّ(رحمه الله) لا أساس له.

(1) وقد يترتّب على ذلك تقدّمه على الأصل غير التنزيليّ؛ لأنّه فرض علماً، فرفع بذلك تعبّداً موضوع الأصل العمليّ على نقاش في ذلك موكول إلى بحث الاستصحاب.