المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

34


التنزيليّة أعطاها الشارع أيضاً التنجيز والتعذير، لكن لا بلسان جعلها علماً كما كان الأمر في الاُصول التنزيليّة، وإنّما بمجرّد لسان حكم تكليفيّ طريقيّ يؤدّي إلى التنجيز والتعذير(1)، وأنّ هذا سبب في حكومة الاُصول التنزيليّة على الاُصول العمليّة غير التنزيليّة؛ لأنّ الاُصول التنزيليّة فرضت علماً تعبّداً بلحاظ مستوىً من المستويات، فرفعت موضوع الاُصول العمليّة غير التنزيليّة.

والواقع: أنّ هذا البيان أيضاً لا يرجع إلى محصّل معقول؛ لأنّ الغاية في الاُصول غير التنزيليّة إنّما هي العلم بما لها من مرتبة الكشف، والتي هي حقيقة العلم، كما هو الحال في التنزيليّة، وليست الغاية فيها مجرّد العلم وبلحاظ الشأن الثالث، حتّى إذا فرض إثبات ذلك تعبّداً للاُصول التنزيليّة تصبح حاكمة على الاُصول غير التنزيليّة.

هذا، مضافاً إلى أنّ الدليل على التفريق بين الأمارات والاُصول التنزيليّة بجعل الأمارات علماً في الشأن الثاني ـ وهو الكشف ـ والاُصول التنزيليّة علماً في الشأن الثالث الذي هو اقتضاء الجري العمليّ مفقود، عدا القول بأنّ الأمارات بما أنّ لها حظّاً من الكشف كانت قابلة لتتميم الكشف تعبّداً، بخلاف الاُصول التنزيليّة التي ليس لها حظّ من الكشف.

وهذا جوابه: أنّ اعتبار الكشف تعبّداً سهل المؤونة، ومادمنا نتكلّم على مستوى ألسنة الدليل لا فرق من هذه الناحية بين الأمارة والأصل التنزيليّ الذي جعل علماً تعبّداً، ولا



(1) راجع فوائد الاُصول، الجزء الثالث، ص 7 بحسب منشورات مكتبة المصطفوي، والجزء الرابع، ص 223 ـ 224 وأيضاً ص 255.