المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

258

والثاني: أنّ محرّكيّة العلم للامتثال أشدّ وأقوى من محرّكيّة الاحتمال للامتثال،ومحرّكيّة الاحتمال أضعف درجةً من محرّكيّة العلم، فمن لا تكفيه تلك الدرجة من المحرّكيّة تكون الجهالة سبباً لركوب الأمر من باب مساوقتها لفقدان الدرجة الأعلى من التحريك.

وشيء من هذين الوجهين لا يأتيان في فرض وصول إيجاب الاحتياط. أمّا الأوّل فواضح؛ إذ لا مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان مع العلم بإيجاب الاحتياط. وأمّا الثاني، فلأنّه إن كان هناك فرق بحسب التفكير الاُصوليّ بين العلم بالخطاب الواقعيّ والعلم بالخطاب الظاهريّ في المحرّكيّة فلا فرق بينهما من هذه الناحية بحسب التفكير العرفيّ، فمن لم يعلم بالخطاب الواقعيّ بترك شرب التتن وعلم بالخطاب الظاهريّ بتركه ومع ذلك خالف الخطاب وركب شربه لا يقال عنه: إنّه ركب أمراً بجهالة، بل يقال عنه: إنّه ركبه بعصيانه وتمرّده، وبهذا ظهر أنّ الموضوع لنفي الشيء عليه الشامل للعقاب الاُخرويّ في هذا الحديث هو الجهل بالحكم مع عدم وصول إيجاب الاحتياط.

والحديث مطلق يشمل الشبهة الحكميّة والموضوعيّة. ولكن لا يمكن أن تُنفى به الخصوصيّة في أطراف العلم الإجماليّ.

هذا كلّه لوكنّا نحن وهذه الجملة.

وأمّا بالنظر إلى مورد الحديث فإن فرض هذا الشخص قاصراً وغير ملتفت أمكن تطبيق تلك القاعدة الكلّيّة ـ أعني: نفي الشيء عن الجاهل بالمعنى الدالّ على ما يساوق في الرتبة البراءة العقليّة ـ على المورد، وقلنا: إنّ هذه القاعدة تشمل الجهل بالموضوع والجهل بالحكم سواء كان قبل الفحص أو بعد الفحص، غاية الأمر أنّه خرج منه الجهل التقصيريّ من الشبهة الحكميّة قبل الفحص بحكم ما دلّ على عدم معذوريّة الجاهل في هذا الفرض، وعدم صحّة اعتذاره بعدم العلم.