المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

250

هذا وكلمة (شيء) يحتمل أنّها لوحظت بنحو الإطلاق البدليّ ـ أي: من لم يعرف شيئاً واحداً ـ كمن لم يعرف الصلاة وإن عرف باقي الأشياء، أو لم يعرف الصوم وهكذا، ويحتمل أنّها لم تطعّم بمعنى النكرة وأن يحمل الكلام على الإطلاق الاستغراقيّ ـ أي: من لم يعرف جميع الأشياء ـ وسوف يظهر أنّ حمل كلمة (شيئاً) على المعنى الأوّل، أو المعنى الثاني لا يؤثّر سلباً أو إيجاباً في دلالة الحديث على المقصود.

وقوله: (هل عليه شيء؟) يحتمل أن يكون سؤالاً عن الوظيفة العمليّة ـ أي: أنّه هل يجب عليه الاحتياط أو لا؟ ـ ويحتمل أن يكون سؤالاً عن المرتبة المتأخّرة عن مقام العمل من المسؤوليّة وترتّب العقاب وعدمه، فبما أنّ عدم المعرفة يستبطن ارتكاز عدم ترتيب الأثر، فكأنّه طعّم قوله: (مَن لم يعرف شيئاً) معنى عدم العمل، أي: مَن لم يعرف شيئاً فلم يعمل شيئاً هل عليه شيء؟

فعلى الاحتمال الأوّل يكون الحديث دالّاً على البراءة بالدرجة النافية لإيجاب الاحتياط؛ لأنّ المفروض هو السؤال عن إيجاب الاحتياط، وقد جاء الجواب بالنفي، فهذا دليل على نفي إيجاب الاحتياط حتّى إذا حملنا قوله: (شيئاً) على الإطلاق الاستغراقيّ، فإنّ إيجاب الاحتياط خارج عن هذا الاستغراق بقرينة أنّ السؤال إنّما هو عن إيجاب الاحتياط، فالحديث أجنبيّ عن ما هو المقصود من البراءة التي هي بمستوى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وعلى الاحتمال الثاني يكون الحديث دالّاً على المقصود من البراءة في مرتبة قاعدة قبح العقاب بلا بيان حتّى إذا حملنا قوله: (شيئاً) على الإطلاق البدليّ. أمّا على الإطلاق الاستغراقيّ فالأمر واضح لشمول الإطلاق لنفس إيجاب الاحتياط. وأمّا على الإطلاق البدليّ فأيضاً نقول: إنّ نفي التبعة قد اُخذ في موضوعه عدم وصول وجوب الاحتياط إليه؛ إذ لو كان قد وصله وجوب الاحتياط لم يكن عدم