المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثالث

245

وإنّما الإشكال في الوجه الثاني الذي اُريد فيه استصحاب عدم الجعل، لا استصحاب عدم المجعول، وقرّب في الدراسات الإشكال، بأنّ جعل وجوب الحجّ على كلّيّ المستطيع لا شكّ في ثبوته، وجعل وجوب الحجّ على خصوص هذا الشخص بعنوان مخصوص لا شكّ في عدم تحقّقه، فأيّ شيء يستصحب؟ وأجاب عنه بأنّ الحكم انحلاليّ ينحلّ بعدد أفراد الموضوع، فالشكّ في فرد زائد يستتبع الشكّ في جعل زائد يستصحب عدمه(1).

ويرد عليه: أنّ التعدّد والانحلال الحاصل بتعدّد الموضوع إنّما هو في عالم المجعول بالعرض وفعليّة الحكم الذي يتحقّق بتحقّق الموضوع. وأمّا الجعل الثابت في نفس المولى على موضوع كلّيّ فهو شيء واحد عرفاً وعقلاً، والمفروض أنّ حدوث الفرد في الخارج إنّما يوجب في ذاته تعدّد المجعول وفعليّة الحكم لا بما هو معلوم للمولى، فقد يتّفق حدوث الفرد من دون علم المولى به، أو مع غفلة المولى عن أصل الجعل ويوجب تكثّر المجعول وفعليّته، في حين أنّه يستحيل أن يؤثّر أمر خارجيّ في ذاته ومن دون علم المولى به في عالم نفس المولى.

والخلاصة: أنّ الانحلال ليس في مرحلة الجعل التي هي عالم المجعول بالذات وإنّما هو في مرحلة التطبيق التي هي عالم المجعول بالعرض.

ومن هنا نقول: إنّ ما يقوله السيّد الاُستاذ من كون استصحاب المجعول دائماً معارضاً باستصحاب عدم الجعل لو تمّ فإنّما يتمّ في الشبهات الحكميّة دون الشبهات الموضوعيّة؛ إذ ليس فيها جعل زائد حتّى يستصحب عدمه.

هذا تمام الكلام فيما ينبغي ذكره من الأدلّة على البراءة بالدرجة النافية لوجوب الاحتياط المنافية لأخبار الاحتياط إن تمّت في نفسها.



(1) راجع مصباح الاُصول، ج 2، ص 291.