المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

68

على نفي حجّيّة الخبر المشكوكة، فعند جريان البراءة بلحاظ الواقع لا تصل النوبة إلى البحث عن جريان البراءة وعدمه بلحاظ الحجّيّة المشكوكة؛ وذلك لما ذكرناه في المقدّمة: من تنافي الحكمين الظاهريّين العرضيّين بقطع النظر عن الوصول، فالدليل على ثبوت أحدهما بالمطابقة دليل على نفي الآخر بالالتزام، فيثبت بالدليل الاجتهاديّ عدم حجّيّة الخبر في هذا المورد، ومع فرض القطع بعدم الفرق يثبت عدم حجّيّة الخبر مطلقاً. والحاصل: أنّنا شككنا في أنّ المولى هل اهتمّ بغرضه بجعل حجّيّة الخبر، أو نفي الاهتمام به بجعل البراءة، وإطلاق دليل البراءة عيّن الثاني في مقابل الأوّل.

هذا. وما ذكرناه: من نفي حجّيّة الخبر بالدليل الاجتهاديّ ـ وهو دليل البراءة ـ لا يتمّ على مبنى القوم؛ لعدم المنافاة بين الحكمين الظاهريّين بأنفسهما، فليس أحدهما ملازماً لعدم الآخر(1)، وهذا بخلاف ما نقّحناه في المقدّمة.

إن قلت: كيف يمكن ثبوت الشكّ في حجّيّة هذا الخبر مع التمسّك بإطلاق الدليل الاجتهاديّ في نفيه؟ وقد مضى أنّ الحكم الظاهريّ إنّما يكون معذّراً عن الواقع من باب كونه موجباً للقطع بعدم اهتمام المولى بالواقع. وعلى هذا نقول: هل أوجب إطلاق دليل البراءة ولو بمعونة دليل حجّيّة الإطلاق القطع بعدم اهتمام المولى بالواقع، أو لا؟ فإن فرض الثاني فالحكم الظاهريّ لم يمارس عمله المطلوب منه. وإن فرض الأوّل لم يبق مجال لاحتمال حجّيّة هذا الخبر؛ إذ إنّما يجعله المولى حجّة على فرض الاهتمام بالواقع المفروض حصول القطع بعدمه.


(1) وعندئذ نقول: إنّ الحكم الظاهريّ غير الواصل ـ وهو حجّيّة الخبر ـ لا أثر له ولا قيمة لاحتماله، فإنّ احتماله ليس بأشدّ من احتمال الواقع، فنأخذ بالحكم الظاهريّ الواصل ـ وهو البراءة ـ بلامزاحم.