المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

602

العرف المقرّب للحكم المعلّل في نظرهم، لا التعليل التعبّديّ الصرف، فإنّ الظاهر من التعليلات والغالب فيها كونها للتقريب إلى الذهن وتوجيه الحكم بما يستحسنه العقلاء، وإن كان قد يتّفق أنّ التعليل ليس لذلك، وإنّما هو لأجل إعطاء ضابط كلّيّ.

وعلى هذا فلابدّ أن تكون العبرة بالوثاقة بما لها من الكشف، حتّى يكون تعليلاً بأمر يناسب الحكم في نظر العقلاء ومقبولاً بالنظر إلى ارتكازاتهم، فيكون تقريباً للحكم إلى نظرهم. أمّا لو فرض أخذها بما هي حالة نفسيّة، إذن لم يكن هذا إلّا تعبّداً صرفاً، لا تعليلاً متفاهماً عند العرف.

وأمّا ثالثاً: فلأنّ كلمة المأمون في قوله: «فإنّهما الثقتان المأمونان» قرينة على المطلب؛ إذ لو كان احتمال كذبه في هذا الحديث مساوياً لاحتمال صدقه كيف يصدق أنّه مأمون في هذا الحديث عن الكذب ؟!

وإن شئت مصداقاً لهذا الفرض فيما بأيدينا من الأخبار، قلنا: إنّ أحد الرواة المشهود بوثاقتهم هو رفاعة، وهو ينقل حديثاً في جواز استعباد أطفال الكفّار بالسبي وبيعهم(1). وبالمراجعة إلى أحواله يظهر أنّه كان تاجراً نخّاساً، فقد يحرز بذلك داعي الكذب في شأنه بدرجة تغلب على بعض درجات الوثاقة باعتبار أنّ عيشه وعمله مبنيّان على النخاسة، فيحتاج إلى مثل هذه الرواية في مقام التحفّظ على أساس عيشه، وتجارته، والتحفّظ على ماء وجهه بين الناس، والتخلّص من ذمّ الناس إيّاه. فمع فرض الشكّ في كون وثاقته بدرجة تغلب على هذا الداعي شكّاً متساوي الطرفين يسقط خبره عن الحجّيّة.

وأمّا الفرض الثاني ـ وهو فرض حصول الظنّ من الخبر ـ: فهذا لا إشكال في حجّيّته إن كان الظنّ مستنداً إلى الوثاقة بخلاف ما لو لم يكن مستنداً إليها؛ وذلك


(1) راجع الوسائل، ج 11، ب 50 من جهاد العدوّ، ح 6، ص 100.