المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

599

 

وثاقة الراوي وموثوقيّة الرواية:

الجهة الثالثة: في أنّ وثاقة الراوي متى تؤدّي إلى موثوقيّة الرواية، ومتى لا تؤدّي إليها ؟ وأيّ حالة من هذه الحالات تدخل في نطاق الحجّيّة ؟ فنقول:

تارةً: يفترض أنّ الوثاقة التي هي حالة نفسيّة موجبة للتحرّج والتحرّز من الكذب بالغة إلى مستوى يغلب جميع دواعي الكذب على الإطلاق بما فيها أقوى المغريات والدواعي للكذب التي يمكن افتراضها في نفس المخبر، وهذا يؤدّي إلى القطع بالصدق، وهو خارج عن محلّ البحث، فإنّ كلامنا في الخبر الظنّيّ.

واُخرى: يفترض أنّ الوثاقة لم تبلغ هذه الدرجة، وهذا هو محلّ البحث عن أنّه متى يحصل الظنّ بصدق الخبر على أساس وثاقة المخبر، ومتى لا يحصل. وهذا البحث وإن كان لم يطرق حتّى الآن، ولكنّه بحث مثمر كما سوف يظهر، ومن السهل لنا طرقه بعد أن عرفنا قيام ذلك على أساس حساب الاحتمالات.

ولا يخفى أنّ هذه الوثاقة ليست هي العامل الوحيد الذي يجب حسابه في حصول الظنّ، بل لابدّ من ضمّها إلى حساب حال مزاحمها: من داعي الكذب، كي تخرج النتيجة النهائيّة، فلو فرض القطع بغالبيّة داعي الكذب في نفس هذا المخبر على مستوى الوثاقة الموجودة لديه حصل القطع بالكذب، ولو فرض القطع بعدم داعي الكذب في نفسه، أو مغلوبيّته لما يمتلكه من الوثاقة حصل القطع بالصدق، وكلّ هذا خارج عن محلّ الكلام، ولابدّ من نشوء شكّ في المقام كي يكون خبره محطّاً للبحث عن الحجّيّة، ويتصوّر للشكّ في صدق خبر الثقة أحد مناشئ ثلاثة:

المنشأ الأوّل: الضيق في جانب الوثاقة أو احتماله، وذلك في نفس الوثاقة، أو في اقتضائها لعدم الكذب:

أمّا الضيق في نفس الوثاقة، فكما لو لم تكن وثاقته قائمة على أساس الدين،