المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

300

ولا ينتقض ما ذكرناه بمثل فتح الجيش للبلد، حيث إنّ كلّ فرد منهم وحده غير قادر على فتح البلد ولكنّهم جميعاً يفتحون البلد، فإنّ الملازمة في هذا المثال قائمة على أساس علّيّة عمل هؤلاء لفتح البلد، ومن المعقول أن يكون كلّ فرد منهم جزء العلّة والجميع تمام العلّة، فلا يترتّب الفتح على الفرد؛ لأنّه جزء العلّة لاتمامها، ويترتّب على الجميع؛ لأنّه تمام العلّة. أمّا فيما نحن فيه فليست أخبار هؤلاء علّة لموت زيد حتّى نفرّق في ذلك بين الجميع والفرد بجزء العلّة وتمامها.

إذن، فالكشف القطعيّ للتواتر ليس على أساس الملازمة بأحد أقسامها الثلاثة، وإنّما هو على أساس الاحتمالات، حيث إنّ لاحتمال ثبوت داعي الكذب بالنسبة لكلّ واحد من هؤلاء قيمة خاصّة، وبضرب مجموع القيم بعضها في بعض تظهر قيمة كذب الجميع، وهي ضئيلة جدّاً لا محالة، وحينما يتضاءل الاحتمال في النفس بدرجة معيّنة يذوب في النفس ضمن قواعد وشروط معيّنة(1).

وعين ما ذكرناه في التواتر يأتي بالنسبة لباقي الأمثلة: من اتّفاق المرؤوسين على رأي، والاستفاضة، والإجماع.

وبهذا اتّضح أنّه يجب تغيير منهج البحث في باب الإجماع، فإنّه إذا كان خطأ كلّ واحد من المجمعين محتملاً فالقطع بعدم اجتماعهم على الخطأ لا معنى له، إلّا إذا فرض التمانع بين خطأ البعض وخطأ بعض آخر، ونحن لاندرك تمانعاً من هذا القبيل، فإن كان الإجماع مورثاً للقطع فهذا القطع قائم على أساس حساب الاحتمالات.

إذا عرفت ذلك قلنا: إنّ تضاؤل احتمال الاشتباه في باب الإجماع وضعفه متدرّجاً بتكثّر الأفراد أبطأ بكثير من تضاؤل احتمال الاشتباه في باب الإخبار عن الحسّ، وقد يتّفق أن يصل الضعف إلى مرتبة ولا يشتدّ الضعف بعد ذلك بضمّ الأفراد الآخرين بخلاف باب الإخبار.


(1) تفصيل ذلك موكول إلى كتاب الاُسس المنطقيّة للاستقراء لاُستاذنا الشهيد(رحمه الله).