المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

299

للملزوم في عالمنا دائماً أو غالباً، كما في استلزام دوام العمر بمقدار مئة سنة ـ مثلاً ـ للهرم، وهذه هي الملازمة العاديّة، والملازمة في الحقيقة ليست بين ذات دوام العمر بهذا المقدار والهرم، وإنّما هي بين دوام العمر بهذا المقدار ضمن خصوصيّات معيّنة والهرم، وبرفع تلك المقارنات في عالم الآخرة تختفي الملازمة بين العمر والهرم، كما هو الحال في الدنيا أيضاً حينما يتّفق انتفاء تلك المقارنات، كما اتّفق بالنسبة لمولانا صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، واُخرى يفترض أنّ مقارنة تلك الشرائط والظروف للملزوم اتّفاقيّة وليست دائميّة أو غالبيّة، كما في استلزام التعايش في البلاد الحارّة للابتلاء بمرض السلّ مثلاً، وهذه هي الملازمة الاتّفاقيّة.

فإذا اتّضح ذلك، قلنا: إنّ حصول العلم من إجماع العلماء، أو تواتر المخبرين، أو استفاضتهم، أو اتّفاق المرؤوسين على رأي ممّا يدلّ على رأي الرئيس، ليس على أساس الملازمة العقليّة، ولا العاديّة، ولا الاتّفاقيّة.

ولتوضيح المطلب نركّز الكلام على أجلى هذه الأمثلة فيما ادّعوه من الملازمة وهو التواتر، فنقول: إنّ تواتر الأخبار بموت زيد يورث القطع بموته، ولكن ليس ذلك على أساس الملازمة بين إخبار هؤلاء وموت زيد؛ وذلك لأنّ خبر كلّ واحد من هؤلاء وحده نحتمل عدم اقترانه بالصدق ولم ندرك ملازمة بينه وبين موت زيد، والفرد المردّد لا وجود له، وجميع الأخبار ليس إلّا عبارة عن نفس تلك الأفراد ولم ندرك تمانعاً بين كذب البعض أو كذب بعض آخر حتّى يصبح المجموع ملازماً للصدق، وعنوان اجتماع آلاف الأكاذيب ليس إلّا أمراً انتزاعيّاً ينتزع من نفس جميع أفراد الكذب، فليس فيه محذور آخر غير محذور الجميع(1).


(1) شرح ذلك بكلّ تفصيل موجود في كتاب الاُسس المنطقيّة للاستقراء لاُستاذنا الشهيد(رحمه الله) فراجع.