المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الثاني

236

النظر عن السنّة. ومثل هذا لا يدلّ على عدم جواز العمل بظواهر القرآن الكريم، وإنّما يدلّ على وجوب الفحص قبل العمل بالظاهر، وهذا أمر مفروغ عنه ومتسالم عليه بين الاُصوليّ والأخباريّ.

وأمّا الطائفة الثالثة ـ وهي الأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي ـ: فقد أجاب عنها علماؤنا الاُصوليّون بما في الكفاية وغيرها من الكتب المتأخّرة عنها: من أنّ التفسير ـ كما جاء في كتب اللغة ـ عبارة عن كشف القناع، ولا قناع في باب الظواهر حتّى يكشف، فلا تفسير في المقام. ولو سلّم أنّه تفسير فليس تفسيراً بالرأي، بل هو تفسير بالطريقة العرفيّة العامّة المتّفق عليها.

ولكن الصحيح: أنّ هذا المقدار من الجواب لا يكفي في المقام، فنحن إن لاحظنا الظهورات التصوّريّة واللغويّة فهي وإن كان في كثير من الموارد لا يصدق عليها كشف القناع، وذلك فيما لو فرض أنّ الوضع اللغويّ كان ثابتاً ثبوتاً عرفيّاً عامّاً، ولكن في بعض الموارد لا يكون الأمر كذلك، بل يكون الظهور مقنّعاً يقع البحث والخلاف في المعنى الموضوع له، ويكون المعنى مقنّعاً بمقنّعيّة نفس الظهور والوضع، ويكشف القناع بإعمال الصناعة لإثبات أنّ هذا اللفظ موضوع للمعنى الفلانيّ. وسوف يأتي في بحث صغرى حجّيّة الظهور ـ إن شاء الله تعالى ـ بيان أنّه كيف نثبت في بعض الأحيان أصل الوضع بالصناعة في مورد الشكّ.

وإن لاحظنا الظهورات السياقيّة التصديقيّة فالأمر فيها أوضح بكثير، فبعض الظهورات السياقيّة ليس عليها قناع، وبعضها الآخر عليها قناع وبحاجة إلى كشف القناع بالبحث والفحص والاستنباط وإعمال الصناعة، سنخ ما فعلناه قبل صفحات في تفسير قوله تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾، حيث استخرجنا المراد بضمّ بعض ظواهرها إلى بعض لمعرفة ما يستفاد من المجموع من المعنى المناسب لتمام ظواهر الآية.