المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

484

التخيير، ننكر رجوع الأمر في المقام إلى باب التعيين والتخيير، بل الأمر دائر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، فإنّنا نعلم بوجوب الإتيان بمتعلّق الأمر بقصد القربة بالمعنى الذي سيأتي إن شاء الله، ونشكّ في وجوب أمر زائد، وهو التحرّك عن نفس الأمر أو العلم به وعدمه، والأصل عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين هو البراءة.

أمّا أصل ما جاء في صدر التقرير لكلام المحقّق النائينيّ(رحمه الله): من افتراض اشتراط العبادة بقصد أمر حسن عقلاً، فيرد عليه:

أوّلاً: أنّ الذي ثبت في الفقه في العبادات إنّما هو لزوم قصد التقرّب إلى الله مع كون الفعل قابلاً للتقرّب به، وكلا الأمرين ثابتان فيما نحن فيه، ولو كان الامتثال إجماليّاً مع التمكّن من الامتثال التفصيلىّ. ودليل العباديّة منحصر في الغالب بالإجماع، والقدر المتيقّن منه ما ذكرناه، ولا دليل على اشتراط كون العبادة بقصد أمر حسن عقلاً (1).

وثانياً: لو سلّمنا ذلك، فلانسلّم ما دلّ عليه وجدان المحقّق النائينيّ(رحمه الله): من عدم حسن الامتثال الإجمالىّ مع التمكّن من الامتثال التفصيلىّ، بل وجداننا يشهد بحسن ذلك.

ثُمّ إنّ إجماليّة الامتثال والانبعاث عن احتمال الأمر تارة يكون على أساس كون الأمر احتماليّاً وغير معلوم أصلاً.

واُخرى يكون على أساس العلم الإجمالىّ والدوران بين المتباينين.

وثالثة يكون على أساس الدوران بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.

وما أفاده المحقّق النائينىّ(رحمه الله): من كون التحرّك عن نفس الأمر أو عن العلم به مقدّماً على التحرّك عن احتمال الأمر يتأتّى في الفرض الأوّل(2) بلا إشكال.

فلو لم يفحص لمعرفة ما إذا كان هناك أمر حقيقة أو لا، واكتفى بالإتيان بالفعل


(1) عبّرنا في صدر البحث وقبل الشروع في الإشكال على أصل التقريب بما يستفاد من عبارة التقرير: من اشتراط حسن الانبعاث والتحرّك، ولكنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) عبّر بتعبير (قصد عنوان حسن). فإن كان المقصود من هذا التعبير ما يرجع إلى ذاك التعبير، فهذا الإشكال غير وارد عليه؛ لأنّ التحرّك والانبعاث لو لم يكن حسناً، لما كان مقرّباً، ولابدّ في العبادة من المقرّبيّة.

(2) وهو فرض كون الأمر احتماليّاً غير معلوم ولو بالعلم الإجمالىّ. نعم، لو كان هذا الاحتمال غير منجّز كما في الشبهة الموضوعيّة أو الحكميّة بعد الفحص، فقد ذهب من يدّعي تقدّم الامتثال التفصيلىّ إلى جواز الاكتفاء في هذا الفرض بالإجمالىّ. وسيأتي الكلام عن ذلك.