المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

434

سعة الوجود، لزم أن يختلف العقل العملىّ ـ بالتعبير العلمىّ ـ والضمير الخلقىّ ـ بالتعبير الوعظىّ ـ باختلاف العقل النظرىّ، ويكون تابعاً له سعة وضيقاً. فمن يكون منّا أذكى في العقل النظرىّ وأقوى في مقام اقتناص الكلّيّات وفهم المجرّدات واستخلاصها من شوائب الموادّ والخصوصيّات، يكون أشدّ انقباضاً من إدراك الفعل القبيح واستقباحاً لصدوره عن شخص ما، ومن يكون أضعف في ذلك، يكون أقلّ انقباضاً منه واستقباحاً لصدوره عن نفس ذاك الشخص، في حين ليس الأمر كذلك.

الثاني: أنّه يلزم من ذلك أن تكون الاُمور المباحة وغير القبيحة في نظر الأدنى في العقل النظرىّ قبيحة في نظر الأعلى، حيث تكون نسبة قوّته العاقلة إلى هذا الفعل كنسبة القوّة العاقلة للأدنى إلى ما يستقبحه. فالفعل الخاصّ الصادر عن شخص خاصّ مباح في نظر الأوّل وقبيح في نظر الثاني. وليس الأمر كذلك.

الثالث: أنّه يلزم من ذلك أن يتساوى في نظر شخص واحد قبح العمل القبيح الصادر عن أىّ شخص مع قبح نفس العمل الصادر عن شخص آخر، مع وضوح أنّه يشتدّ قبحاً، ويخفّ بلحاظ الفاعل. فلو أنّه صدر ذلك عن نبىّ من الأنبياء مثلاً، فهو لايساوي في القبح فرض صدوره عن إنسان اعتيادىّ. وإذا فرض الكلام بلحاظ الأعدام الملازمة، قلنا حتّى مع افتراض تساوي الأعدام الملازمة يشعر العقل بأشدّيّة قبح صدوره عن النبىّ من قبح صدوره عن إنسان اعتيادىّ(1).

الرابع: أنّه هل المراد بقبح الكذب ـ مثلاً ـ كونه قبيحاً باعتبار الحدّ العدمىّ له، أو المراد كونه قبيحاً باعتبار الأعدام الملازمة له؟ فإن اُريد الأوّل، ورد عليه النقض بالصدق والكذب؛ فإنّهما بما هما كيف مسموع وكيفيّة نفسانيّة لا فرق بينهما من حيث الحدّ العدمىّ أصلاً، وإن اُريد الثاني، ورد عليه النقض بفرض عدم الالتفات إلى الأعدام الملازمة؛ فإنّه يلزم من ذلك ربط إدراك القبح بالالتفات إلى الأعدام الملازمة وعدم إدراكه


(1) الواقع: هو أنّ الفرق ليس في مقدار قبح العمل، وإنّما الفرق هو في درجة الانحطاط النفسىّ التي يكشف عنها هذا العمل؛ ذلك لأنّ الإنسان الاعتيادىّ كان المترقّب أن يكون أعلى مستوىً من صدور مثل هذا الفعل عنه بدرجة واحدة مثلاً، فكشف هذا العمل عن أنّه قد انحطّت نفسيّته بدرجة حتّى انقدحت في نفسه إرادة هذا العمل، في حين أنّ النبىّ ـ الذي هو أرفع مستوىً من هذا الفعل بمئات الدرجات ـ لو صدر عنه هذا الفعل، كشف عن أنّه قد انحطّت نفسيّته بمئات الدرجات، حتّى استعدّ لعمل من هذا القبيل.