المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

433

ليس هو الحاضر لدى القوّة كي يؤثّر في انبساطها وانقباضها.

مثلاً: القوّة الباصرة تلتذّ بإدراكها للحدائق والأزهار ولو فرض إدراكها غير مطابق للواقع الخارجىّ، وتشمئزّ من إدراكها للصور القبيحة ولو فرض غير مطابق للواقع. وحينئذ نسأل بالنسبة إلى القوّة العاقلة: هل المقصود انبساطها وانقباضها بالمدرك بالعرض باعتبار مسانخته أو عدم مسانخته لها، أو المقصود انبساطها وانقباضها بالمدرك بالذات باعتبار مسانخته أو عدم مسانخته لها؟ فإن فرض الأوّل قلنا: إنّ المدرك بالعرض ليس هو الحاضر لدى القوّة العاقلة كي يؤثّر بالمسانخة وعدم المسانخة ذاك التأثير، وإن فرض الثاني قلنا: إنّ المدرك بالذات ـ دائماً ـ على حدّ سواء من حيث التجرّد وسعة الوجود، بلا فرق بين أن يكون المدرك بالعرض وسيعاً أو ضيّقاً؛ فإنّ من أوّليّات علم النفس في الفلسفة: أنّ إدراكات قوّة واحدة تناسب تلك القوّة في التجرّد وسعة الوجود على نهج واحد، فليس ـ مثلاً ـ إدراك الأمر المادّىّ مادّيّاً والمجرّد مجرّداً، بل إدراك ما هو من أرقى الموجودات يساوي من حيث التجرّد إدراك ما هو من أخسّ الموجودات، كالبياض ـ مثلاً ـ الذي هو وجود عرضىّ حالّ في وجود مادّيّ.

وما للمدرك بالعرض من السعة والضيق أو الخيريّة والشرّيّة لا يسري إلى المدرك بالذات، وإنّما يحكم على المدرك بالذات بأحكام وخصائص المدرك بالعرض بمنطق الفناء، ولا يوجب الفناء سريان الخصائص والآثار من الخارج إلى الصورة حقيقة. فصورة النار ـ مثلاً ـ لن تحرق بفنائها في ذي الصورة، وإدراك الوسيع أو الضيّق لن يكون وسيعاً أو ضيّقاً بلحاظ حال المدرك بالعرض، كي يترتّب على ذلك انبساط القوّة العاقلة وانقباضها؛ ولذا ترى وجداناً: أنّ القوّة العاقلة ليس الأولى بها أن تدرك العدل فقط دون الظلم، كما كان الأولى بالقوّة الباصرة أن تدرك الصورة الحسنة دون القبيحة، والأولى بالقوّة الشامّة أن تشمّ الروائح العطرة دون الكريهة.

إذن فما مضى من المقدّمة الفلسفيّة بناءً على تماميّتها لا تنتج المطلوب.

وثانياً: أنّ هناك نقوضاً ترد على ما ذكره(رحمه الله) إن أمكن الجواب عن بعضها بتكلّف، فمجموع النقوض كاف في الإيراد عليه:

الأوّل: أنّه لو كان الحسن والقبح العقليّان باعتبار مدى مسانخة الفعل للقوّة العاقلة في