المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

43

مستوى هذا البحث. وبقيت مستمرّاً في بحثه الشريف إلى أن قدّر الله لي الهجرة إلى إيران.

5 ـ رأيت ذات ليلة في عالم الرؤيا أنّ نبيّاً من الأنبياء(عليهم السلام) قد حضر بحث اُستاذنا(قدس سره)، وتشرّفت بعد هذا ذات يوم بلقاء اُستاذنا الشهيد في بيته الذي كان واقعاً ـ وقتئذ ـ في شارع الخَوَرنق، وحكيت له الرؤيا، فقال(رحمه الله) لي: إنّ تعبير هذه الرؤيا هو أ نّني لن اُوفّق لتطبيق رسالتي التي نذرت نفسي لأجلها، وسيأتي تلميذ من تلاميذي يكمل الشوط من بعدي. ذكر (رضوان الله عليه) هذا الكلام في وقت لم يكن يخطر بالبال أنّه ستأتي ظروف تؤدّي إلى استشهاده.

6 ـ كان يقول (رضوان الله عليه): إنّني في أيّام طلبي للعلم كنت أعمل في ذلك كلّ يوم بقدر عمل خمسة أشخاص مجدّين.

7 ـ وقال ـ أيضاً(رحمه الله) ـ: إنّني كنت أعيش في منتهى الفقر والفاقة، ولكنّني كنت أشتغل منذ استيقاظي من النوم في كلّ يوم بطلب العلم، ناسياً كلّ شيء، وكلّ حاجة معيشيّة إلى أن كنت اُفاجأ من قبل العائلة بمطالبتي بغذاء يقتاتون به فأحتار ـ عندئذ ـ في أمري.

8 ـ أدركت الاُستاذ الشهيد(رحمه الله) فيما بعد أيّام فقره وفاقته حينما كان مدرّساً معروفاً في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، ومع ذلك كان يعاني الضيق المالي، وكان يدرّسنا في مقبرة آل ياسين في حرِّ الصيف، ولم تكن وسيلة تبريد في تلك المقبرة، ولم يمتلكها في بيته أيضاً. وكان المتعارف ـ وقتئذ ـ في النجف الأشرف عدم وجود عطلة صيفيّة لطلّاب الحوزة العلميّة، فالطلبة كانوا يدرسون حتّى في قلب الحرّ الشديد.

ولا أنسى أنّ المرحوم السيّد عبدالغنيّ الأردبيليّ(رحمه الله) تشرّف ذات يوم بخدمته في بيته الواقع في محلّة العمارة فيما بعد الزقاق المسمّى بــ (عقد الإسلام)، وقال له: إنّ الحرّ شديد، وطلّابك يعانون الحرّ في ساعة الدرس في مقبرة آل ياسين، فأذن لنا بشراء مبرّدة نضعها في المقبرة؛ لتبريد الجوّ، ولي صديق من التركمان في شمال العراق من بيّاعي المبرّدات، وهو مستعد لتزويدكم بمبرّدة بسعر التكْلِفَة، وهو سعر يسير، ويقسّط السعر عليكم أشهراً عديدة، ولايأخذ منكم في كلّ شهر عدا دينارين، فسكت اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) خجلاً وحياءً من أن يقول: إنّ وضعي الاقتصاديّ لايسمح بهذا. ولكن المرحوم السيّد عبدالغنيّ اعتقد أنّ السكوت من الرضا، فاستورد مبرّدة، ووضعها في المقبرة، ثُمَّ أخبر اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)