المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

424

وثانياً: أنّه لا حاجة لنا في مقام إثبات النبوّة إلى الاستدلال بقبح التضليل الذي عرفت عدم تماميّته، بل النبوّة تثبت بحساب الاحتمالات، ومن دون لجوء إلى قبح التضليل من عدّة وجوه:

الوجه الأوّل: دلالة المعجز على ذلك في ذاته وبغضّ النظر عن قبح التضليل.

وتوضيح ذلك: أنّ المعجز عبارة عن خرق نواميس الطبيعة وقوانينها، فأوّلاً نثبت بالتجربة وحساب الاحتمالات أنّ شيئاً ما من قوانين عالم الطبيعة.

فمثلاً: قد دلّ حساب الاحتمالات على أنّ سكوت الحصى ليس من باب الصدفة، كسكوت الإنسان أحياناً، بل هو بمقتضى قوانين الطبيعة، فتسبيح الحصى خرق لقوانين الطبيعة ويكون بالتدخّل من وراء عالم الطبيعة، إذن فهذا دليل على أنّ صاحب الإعجاز ارتبط بما وراء عالم الطبيعة وبخالق الطبيعة للتوصّل إلى الإعجاز، وأنّ بارئ الطبيعة قد فتح باباً مباشراً لنفسه على صاحب المعجز حول ما ادّعاه، وبعد ذلك نقول: إنّنا لا نحتمل


قبح التضليل عند الخواصّ إنّما يثبت لديهم كون هذا نبيّاً على العوامّ والسذّج، أمّا دعواه النبوّة حتّى على الخواصّ، فلا تثبت ما دام لا دلالة في المعجز على النبوّة في المرتبة المتقدّمة على التضليل؛ فإنّه ـ عندئذ ـ لا تضليل للخواصّ، فهم ملتفتون إلى أنّ المعجز ليس بحدّ ذاته دليلاً على النبوّة، فكيف يضلّون؟!

وبتعبير آخر نقول: هل دعوى النبىّ لشمول نبوّته للخواصّ مقبولة في نظر الخواصّ بغضّ النظر عن قبح التضليل، أو لا؟ فإن قبلت لم نحتج إلى ضمّ قاعدة قبح التضليل، وإن لم تقبل لاحتمال اشتباه النبىّ في دعوى الشمول ـ ولو اشتباهاً ناشئاً من إيهام الله تعالى له لمصلحة ما ـ فلا تضليل كي يتمسّك بقبحه. ودعوى نفي احتمال اشتباه من هذا القبيل عن النبىّ بحساب الاحتمالات لا يتناسب مع إنكار كون المعجز ـ في الرتبة المتقدّمة على التضليل ـ دليلاً على النبوّة، فمن لا يدرك بحساب الاحتمالات دلالة شقّ القمر وتسبيح الحصى وما أشبه ذلك على النبوّة، كيف يحكم بعدم صدور مثل هذا الاشتباه عن النبىّ.

أقول: هذا الكلام ـ أيضاً ـ لا يرجع إلى محصّل؛ فمن غفل عن نتيجة حساب الاحتمالات في مورد لشبهة حصلت له، لا يستلزم ذلك غفلته عنها في مورد آخر، فأيضاً نقول: لو غضضنا النظر عمّا في المتن من الجواب الثاني عن النقض وكون ذات المعجز دليلاً على النبوّة، أمكن تثبيت النقض على الأخبارىّ والأشعرىّ ببيان: أنّ دلالة المعجز على النبوّة عند الخواصّ تتوقّف على قاعدة قبح التضليل باعتبار كون إجراء المعجز على يد الكاذب تضليلاً للعوامّ، فإذا ثبتت بذلك نبوّته في الجملة وهو يدّعي الشمول، فلا نحتمل عقلائيّاً الاشتباه وعدم الشمول.