المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

42

3 ـ ذكر(رحمه الله) ذات يوم لصفوة طلّابه: أنّ ما تعارفت عليه الحوزة من الاقتصار على الفقه والاُصول غير صحيح، ويجب عليكم أن تتثقّفوا بمختلف الدراسات الإسلاميّة، وأمرهم بمباحثة كتاب (فلسفتنا) فيما بينهم، فعقدوا بحثاً في بيتي الواقع ـ وقتئذ ـ في النجف الأشرف في الشارع الثاني ممّا كان يسمى بــ (الجُديدة). وفي أوّل يوم شرعوا في المباحثة وجدنا طارقاً يطرق الباب، ففتحت له الباب وإذا باُستاذنا الشهيد(رحمه الله) قد دخل، وحضر المجلس، وقال: إنّني إنّما حضرت الآن هذا المجلس؛ لأ نّي أعتقد أنّه لايوجد الآن مجلس أفضل عند الله من مجلسكم هذا الذي تتباحثون فيه في المعارف الإسلاميّة، فأحببت أن أحضر هذا المجلس الذي هو أفضل المجالس عند الله.

هكذا كان يشوّق طلّابه، ويرغِّبهم في تكميل أنفسهم في فهم المعارف الإسلاميّة، وهو الأب الرؤوف والعطوف الحنون على طلّابه. فوالله إنّنا قد اُيتمنا بفقد هذا الأب الكبير، فلعن الله من أيتمنا، وفجع الاُمّة الإسلاميّة بقتل هذا الرجل العظيم. اللّهمّ، مزّق الذين شاركوا في دمه الطاهر تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، وأرِنا ذلَّهم في الدنيا قبل الآخرة، وزدهم عذاباً فوق العذاب، إنّك أنت السميع المجيب.

4 ـ حضرت بحثه في أوائل أيّام تعرّفي به في بحث الترتّب، ولم يكن ذلك منّي بنيّة الاستمرار، وبعد إنهائه لبحث الترتّب صمّمت على ترك الحضور؛ لبعض المشاكل الحياتيّة والصحّيّة التي كانت تمنعني من الاستمرار. فاطّلع (رضوان الله عليه) على تصميمي هذا، فطلب منّي(رحمه الله) أن أعدل عن هذا التصميم، وأستمرّ في الحضور في بحثه الشريف، وقال: أنا أضمن لك أنّك لو بقيت مستمرّاً في هذا البحث مدّة خمس سنين ستكون مجتهداً، فشرحت له بعض المشاكل التي كانت تحيط بي، والتي تمنعني عن الحضور. فتركت الحضور برهةً من الزمن إلى أن انتهت تلك المشاكل المانعة، فاستأنفت مرّةً اُخرى الحضور في بحثه الشريف، وحينما مضى على حضوري في بحثه الشريف خمس سنين أو أكثر تشرّفت بالحضور لدى الاُستاذ ذات يوم، وقلت له: أنت وعدتني بأ نّي لو حضرت البحث خمس سنين سأكون مجتهداً، وها هو الحضور بهذا المقدار قد حصل، ولم يحصل الاجتهاد؟ فأجابني (رضوان الله عليه) بأنّ مفهوم الاجتهاد قد تغيّر عندك، فالاجتهاد بالمستوى المتعارف عليه في الحوزة العلميّة قد حصل، ولكنّك تريد الاجتهاد على