المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

417

ثُمّ الخطأ في التطبيق يقلّ بطول الممارسة، وتمرين الفكر، وتقوية الذكاء، وفي أىّ فنّ مارس العقل، وطال مرانه فيه، قلّت أخطاؤه مطلقاً وبصورة خاصّة في ذلك الفنّ.

الثالث: أنّ هنا منشأً آخر للخطأ في المعارف البشريّة لم يلتفت إليه أرسطو في فنّه، ولا الاُصوليّون، ولا من عارضهم من الأخباريّين، وهو: أنّ ما مضى ذكره من الخريطة في مقام التنازل من العالي إلى السافل كان من شرط عدم وقوع الخطأ فيها كون تطبيق أىّ شيء وجد في تلك الخريطة على ما بعده بلا فصل بديهيّاً، وهذا شرط أساس لاحظوه في فنّ المنطق، ولكن الإنسان قد يطبّق ـ مع الالتفات ومن دون غفلة ـ شيئاً على شيء بلا فصل من دون أن يكون هذا التطبيق بديهيّاً، وإلّا لما وقع في الخطأ.

فهذا التطبيق لا هو تطبيق مع فاصل، كي يكشف عن نقص في الخريطة، ويكون تتميمها بتحصيل الفاصل، ولا هو تطبيق بديهىّ ومعصوم من الخطأ، كي تصبح الخريطة بتمامها معصومة، بل هو تطبيق ينشأ من حساب الاحتمالات وتجميع القرائن إلى حدّ يفني الشكّ وينهيه تلقائيّاً، وليس المقصود بذلك فناء الشكّ رياضيّاً؛ فإنّ الاحتمال لا يفنى رياضيّاً بتجميع القرائن على خلافه، بل مهما كثرت القرائن، كان مقتضى الحساب الرياضىّ بقاء كسر ضئيل دون أن يزول، ولكن الإنسان خلق بنحو يضمر ويزول الاحتمال الضئيل في نفسه، وينتفي عند تظافر القرائن ضدّه في ضمن شروط لا مجال لبحثها هنا.

فمثلاً: حين نشير إلى محسوسنا في اُفق الحسّ، ونطبّق عليه عنوان المطابقة للواقع الخارجىّ، فهذا التطبيق ليس بالبداهة، ولا بوسيط محذوف، بل بحساب الاحتمالات، وإلى هذا يرجع كلّ (المحسوسات) الخارجيّة و(التجربيّات) و(الحدسيّات) و(المتواترات)(1).

وما أفاده الشيخ الرئيس في الشفاء: من أنّ إفادة التجربة للعلم تكون بضمّ قاعدة عقليّة، وهي: (أنّ الصدفة لا تكون دائميّة أو غالبيّة) غير صحيح؛ فإنّ هذه القاعدة بنفسها


(1) هذه القطعة من البحث لم أكتبها بالشكل الذي أفاده(رحمه الله) في الدرس في الدورة التي حضرتها، حيث ذكر(رحمه الله) هنا تفاصيل وبيانات عدل عنها بعد ذلك، فحذفتها وبدّلتها بهذا المقطع. وتفصيل مختاراته الأخيرة(رحمه الله)موجود في كتاب (الاُسس المنطقيّة)، كما غيّرت بعض العبائر في الأبحاث الآتية المرتبطة بهذا المقطع بالشكل الذي يلائم مختاره الأخير.