المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

415

بحكم آخر للعقل بديهىّ ومضمون الحقّانيّة أيضاً، وهو: أنّ المنطبق على شيء منطبق على شيء ثالث يكون منطبقاً على ذاك الشيء الثالث.

وبهذا تحصّلت لدينا خريطة المعلومات المضمونة الصحّة، ففي أوّل الخريطة البديهيّات، وتجعل تحتها ما يكون أخصّ منها بدرجة، وهي أكثر عدداً ممّا في السطر الأوّل لا محالة. ثُمّ ما يكون أخصّ من الدرجة الثانية، وهي أكثر عدداً منها، وهكذا إلى أن نصل إلى الجزئيّات الصرفة، ويتشكّل من كلّ ثلاثة اُمور مترتّبة في هذه الخريطة قياس من الشكل الأوّل. ويجب أن يكون درك انطباق كلّ واحد من هذه الاُمور على ما يتلوه بلا فصل بديهيّاً لا اكتسابيّاً، وإلّا للزم وجود الفصل بينهما؛ لأنّ الاكتساب يكون بالقياس، وهو بحاجة إلى الأوسط، وإذا كان انطباق كلّ واحد من هذه الاُمور على تاليه بديهيّاً، كان تمام ما يثبت في هذه الخريطة مضمون الحقّانيّة.

وبهذا البيان ظهرت صحّة القول بأنّ منطق أرسطو لا يزيد شيئاً على المعارف البشريّة، ولا يثمر معرفة جديدة، على أن يكون المراد بهذا الكلام: أنّه كلّما عرف تفصيلاً بالاستنتاج من القياس، كان كامناً في الكبرى، فمنطق أرسطو إنّما يفيد في إلفات النظر تفصيلاً إلى جزئيّات الاُمور المعلومة إجمالاً.

وقد اتّضح بما مرّ: أنّ مراعاة قانون المنطق عاصمة في حدوده من الخطأ. وبالرغم من ذلك نرى الأخطاء الكثيرة في الفكر البشرىّ التي يضجّ منها العالم، فلابدّ من التفتيش عن نكتة ذلك، فنقول: لا يعقل سبب لهذه الأخطاء إلّا أحد اُمور ثلاثة:

الأوّل: ما مضى من دعوى أنّ نفس قانون المنطق من نتاج الفكر البشرىّ بعد ردح من الزمن، وليس بديهيّاً ومعصوماً بذاته كي يكون عاصماً.

ويرد عليه: ما عرفته: من بداهة إنتاج الشكل الأوّل بحكم العقل البديهىّ المدرك لقاعدة: أنّ (المنطبق على شيء منطبق على ثالث منطبق على ذاك الثالث) وعدم التفات البشر بالتفصيل ردحاً من الزمن إلى الشكل الأوّل ـ مثلاً ـ لا يعني عدم بداهته؛ لثبوت الالتفات الإجمالىّ لكلّ أحد إليه، على أنّ عدم التصديق الناشئ من عدم الالتفات لا ينافي البداهة؛ فإنّ التصديق بالبديهيّات ـ أيضاً ـ متوقّف على التصوّر بلا إشكال.

وخلاصة الكلام: أنّ قوانين المنطق منها ما هو بديهىّ ومضمون الصحّة بنفسه، فلا يحتمل فيه الخطأ، ومنها ما هو نظرىّ مكتسب من الأوّل، فهو مضمون الصحّة ببركة