المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

405

 

 

 

 

المرحلة الثانية: مرحلة الاستكشاف، وعمدة(1) ما يوجد في المقام لتزييف مرحلة الكشف: هي القول بأنّنا نواجه كثيراً خطأ العقل في استنتاجاته، وهذا ما يسقطه عن الاعتبار، لا بمعنى سلب الحجّيّة عنه الذي يرجع إلى بحث المرحلة الثالثة، بل بمعنى عدم إمكان الاعتماد على طريق يكثر فيه الخطأ.

وهذا الكلام هو من سنخ كلام الفلاسفة الشكّاكين، لا من سنخ كلام الفلاسفة المادّيّين المنكرين للأدلّة العقليّة.

وتوضيح ذلك: أنّ الفلاسفة المادّيّين يرجع لبّ كلامهم إلى دعوى حصر مصدر المعرفة بالتجربة، لا إلى التشكيك في استنباط العقل على الإطلاق، فهم يقولون: إنّ المصدر الوحيد الذي يكون من حقّ العقل استقاء المعارف منه هو التجربة، وحتّى أبده البديهيّات، كقولنا: الكلّ أعظم من الجزء، والواحد نصف الاثنين، إنّما يعرف عن طريق التجربة التي مضت في عصر حياة الإنسانيّة ككلّ، أو تجربة الفرد الموجود من الإنسان بنفسه.

أمّا الفلاسفة الشكّاكون فهم يشكّكون في أصل إدراك العقل، سواء فرضناه مستمدّاً من التجربة، أو لا.

وكلام الأخباريّين في المقام يشبه هذا المدّعى دون مدّعى المادّيّين، فهم ينكرون أن يكون من حقّ العقل ـ مثلاً ـ درك وجوب مقدّمة الواجب ولو عن طريق التجربة: بأن نفترض إيقاع التجارب على أكبر عدد ممكن من أفراد الإنسان، فنعرف أنّ انقداح حبّ الشيء في النفس وإرادته يستلزم انقداح حبّ مقدّمته فيها وإرادتها.


(1) قد يكون مراد بعض الأخباريّين مجرّد إلفات نظر الاُصولىّ إلى أنّه لا ينبغي حصول الجزم بالأحكام الشرعيّة عن طريق العقل؛ لبعد مناشئها ـ وهي الملاكات ـ عن متناول العقل؛ وذلك بأمل أن يزول من الاُصولىّ جزمه بالحكم حينما يلتفت إلى هذا الكلام.

فإذا كان هذا هو مقصود الأخبارىّ، ينبغي لفت نظره إلى الموارد التي قد يكون الحكم فيها قريباً من متناول العقل، كما في الملازمات العقليّة، مثل: وجوب المقدّمة، أو تحريم ما قبّحه العقل، وتحبيذ ما حسّنه العقل.