المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

376

على تنزيليّته ينفي هذا الأثر، ونقصد بالتنزيليّة هنا: (كون الأصل ناظراً إلى تمام الآثار، لا ما وقع عليه الاصطلاح عند المشهور: من لحاظ نوع للكشف فيه)، ولكنّ المفروض أنّ هذا أثر عقلىّ بحت، والأصل التنزيلىّ إنّما يثبت أو ينفي الآثار الشرعيّة.

وأمّا على الوجه الثاني: وهو كون الالتزام حكماً عقليّاً اُخذ في موضوعه التنجّز ووجوب الامتثال، فمن الواضح ـ أيضاً ـ أنّ هذا لا يصلح مانعاً عن جريان الاُصول التي هي جارية لولاه؛ فإنّ المفروض انتفاء أىّ تنجيز أو وجوب امتثال في الرتبة السابقة على وجوب الالتزام، إذن لا موضوع لوجوب الالتزام.

وأمّا على الوجه الثالث: وهو كون وجوب الالتزام شقّاً من شقّي التنجّز مترتّباً على الوصول على حسب مبناهم، فيمكن تصوير المنافاة في المقام بين جريان الاُصول ووجوب الموافقة الالتزاميّة بأن يقال: إنّ وجوب الموافقة الالتزاميّة على هذا الوجه شقّ من شقّي التنجّز ووجوب الامتثال، والمفروض أنّ الاُصول تؤدّي إلى انتفاء التنجّز ونفي وجوب الامتثال، فهي تنفي وجوب الالتزام، فكما أنّ لزوم الترخيص في المخالفة القطعيّة العمليّة تمنع ـ مثلاً ـ عن جريان الاُصول، كذلك لزوم الترخيص في المخالفة الالتزاميّة تمنع عن ذلك.

وهذا البيان إنّما يكون له مجال في المقام ـ بغضّ النظر عمّا سيأتي إن شاء الله تعالى من الجواب ـ إذا كان مفاد الأصل نفي الواقع، كقوله: «رفع ما لا يعلمون». وبذلك يرفع جميع الآثار الامتثاليّة، أمّا إذا كان مفاده ناظراً إلى جانب العمل فحسب، فلا علاقة له بحقّ الالتزام حتّى يمنع عن جريانه(1).

 


(1) كأنّ ظاهر هذا الرجوع إلى لسان دليل الأصل. والأولى في المقام أن يقال: إنّنا تارة نفترض أنّ دليل الأصل لا يمكن أن ينفي التنجيز أو التعذير العقليّين، ويثبت ما يقابله لا مباشرة ولا عن طريق حكم تكليفىّ كالترخيص في المخالفة أو إيجاب الاجتناب مثلاً، فحتّى لو كان دليل الأصل وارداً بهذا اللسان، يجب تأويله وحمله على إيجاد العلم التعبّديّ على خلاف الحكم المنفىّ، بدعوى أنّ هذا يترتّب عليه نفي التنجيز أو التعذير وإثبات عكسه تلقائيّاً.

واُخرى نفترض أنّ دليل الأصل ينفي التنجيز العقلىّ مباشرة، أو عن طريق حكم تكليفىّ. وثالثة نفترض إمكانيّة كلا الأمرين.

فعلى الفرض الأوّل لا يعقل التفكيك بين شقّي التنجيز من وجوب الالتزام ووجوب العمل بأن يرفع بالأصل الثاني دون الأوّل، فتقع المنافاة ـ مثلاً ـ بين الأصل ووجوب الالتزام.