المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

351

بقي علينا أن نشير هنا إلى أنّه يتّضح بالالتفات إلى مسألة الجعل والمجعول ما يرد على ما مضى من الوجه الأوّل من الوجهين البرهانيّين لاستحالة أخذ العلم شرطاً لمتعلّقه: من أنّه إن كان الحكم دخيلاً في حصول العلم به، لزم الدور، وإلّا لزم اللغويّة.

فإنّ هذا يرد عليه: أنّنا نختار الشقّ الثاني، أي: عدم دخل الحكم ـ أعني المجعول ـ في حصول العلم به، فلا يلزم الدور، ولكنّنا نفرض دخل الجعل في تحقّق العلم؛ فلا تلزم اللغويّة أيضاً، فقد تصورّنا بهذا أخذ العلم بالمجعول شرطاً للمجعول بلا لزوم محذور الوجه الأوّل من الوجهين البرهانيّين.

الوجه الثاني: أن يؤخذ العلم بإبراز الحكم شرطاً في الحكم، كما يتّفق ذلك في الموالي العرفيّة، فيقول المولى العطشان ـ مثلاً ـ: من سمع كلامي فليأتني بماء. وهذا الوجه لاحاجة فيه إلى تصوير تعدّد الجعل والمجعول(1).

 


الذي جعله بالعلم، وهذا هو محلّ الكلام، وهذا التضييق والتحصيص يؤدّي قهراً إلى توقّف المجعول على العلم ـ بناءً على تصوّرات مدرسة المحقّق النائينىّ: من افتراض مجعول يولد عند تماميّة الموضوع ـ وإلى توقّف طرفيّة المكلّف لهذا الحكم، أو فاعليّة الحكم بالنسبة إليه، بناءً على تصوّرات اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّ ما يولد بتماميّة الموضوع إنّما هو طرفيّة المكلّف للحكم، أو فاعليّة الحكم بالنسبة إليه، وليست فعليّة الحكم. ومن هنا يتّضح: أنّه لافرق جوهرىّ ـ في خصوص ما نحن فيه ـ يترتّب على الاختلاف بين المبنيين:

فعلى مبنى مدرسة المحقّق النائينىّ(رحمه الله) يكون المجعول أو فعليّة الحكم قد توقّف قهراً على ما ضيّق المولى دائرة الحكم به. فإذا فرض أنّ المولى قد ضيّق دائرة الحكم بالعلم بالمجعول، وردت المحاذير السابقة، وإذا فرض أنّ المولى قد ضيّق دائرة الحكم بالعلم بالجعل، لم يكن هناك محذور.

وعلى مبنى اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) تكون طرفيّة العبد للحكم أو فاعليّة الحكم قد توقّفت قهراً على ما ضيّق المولى دائرة الحكم به، فإن فرض أنّ المولى قد ضيّق دائرة الحكم بالعلم بطرفيّة العبد للحكم وفاعليّة الحكم، وردت المحاذير السابقة، وإن فرض أنّ المولى قد ضيّق دائرة الحكم بالعلم بالجعل، لم يكن هناك محذور.

ولا يجعل المولى ابتداءً فاعليّة الحكم أو طرفيّة المكلّف للحكم متوقّفة على العلم كي يقال: إنّ فاعليّة الحكم أو طرفيّة المكلّف له أمر قهرىّ، وليس تشريعيّاً تناله يد المشرّع بما هو مشرّع، وإنّما الذي يصنعه المولى هو تضييق دائرة حكمه وتحصيصه، ويترتّب على ذلك قهراً توقّف فاعليّة الحكم أو طرفيّة المكلّف له على ما ضيّق المولى دائرة الحكم به.

(1) أقول: قد عرفت أنّ المعتمد في مقام الإشكال على فرض وحدة متعلّق العلم وما يترتّب على العلم أمران:

أحدهما: التهافت بين طبيعة العلم ـ التي تتطلّب النظر إلى المتعلّق وكأنّه مستقلّ عن العلم ـ وبين طبيعة المتعلّق الذي ربط بحسب الفرض بالعلم، وأوقف عليه.

والثاني: عدم قابليّة الحكم للوصول؛ لأنّ العلم به متوقّف على العلم بموضوعه، فإذا كان موضوعه هو العلم