المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

350


والبغض ـ بأن ينقدح حبّ وبغض للفعل يعتبر فعليّة لحبّه أو بغضه للقضيّة الشرطيّة ـ فلوضوح أنّ فعليّة الحكم المجعول على نهج القضيّة الحقيقيّة غير مشروطة بعلم المولى بتحقّق الشرط، ووضوح عدم انقداح حبّ أو بغض جديدين عند عدم علم المولى بتحقّق الشرط.

نعم، قد يقال: إنّ هناك قضيّة تكوينيّة شرطيّة يتحقّق جزاؤها عند تحقّق شرطها، وهي: إنّه لو علم المولى بتحقّق الأمر الفلاني، لأحبّ تحقّق العمل الفلاني، فمتى ما حصل الشرط، وهو علم المولى بتحقّق ذاك الأمر، تحقّق الجزاء.

إلّا أنّ هذا خروج عن المقصود؛ فإنّ الحكم في عالم الحبّ والبغض عبارة عن حبّ القضيّة الشرطيّة حبّاً فعليّاً سواء تحقّق الشرط أو لا، وسواء علم المولى بتحقّق الشرط أو لا، وليس عبارة عن قضيّة شرطيّة شرطها هو العلم بذاك الشرط، وجزاؤها هو الحبّ.

إذن فالذي يتحقّق في باب التشريع عند فعليّة الشرط إنّما هو فاعليّة الحكم وطرفيّة المكلّف لذاك الحكم، لا فعليّة الحكم بالمعنى الدقيق للكلمة، وإن صحّ التعبير عن ذلك بفعليّة الحكم بنوع من المسامحة، أو بافتراض مصطلح خاصّ، ولا مشاحّة في الاصطلاح.

أمّا المجعول بالمعنى الدقيق للكلمة، فهو لا ينفكّ من الجعل؛ فإنّه بالقياس إلى الجعل كالوجود بالقياس إلى الإيجاد، وكما أنّ الإيجاد والوجود خارجاً متّحدان كذلك الجعل والمجعول كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله).

وعلى هذا الأساس قد يقال: إنّ الحلّ الذي ذكره اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) يتمّ على مبنى مدرسة المحقّق النائينىّ رضوان الله عليه، ولكنّه لا يتمّ على مبناه هو(رحمه الله) ؛ إذ الجعل والمجعول ـ بحسب مبناه ـ أحدهما عين الآخر خارجاً، فلا اثنينيّة في المقام كي نفترض أنّ العلم بالجعل اُخذ في موضوع المجعول، ونتخلّص من محاذير وحدة متعلّق العلم وما يترتّب على العلم، كما لا نستطيع أن نفترض أنّ العلم بالجعل اُخذ في موضوع فاعليّة الحكم وطرفيّة المكلّف للحكم؛ إذ ليس هذا مجعولاً للمولى كي يستطيع أن يدخل في موضوعه بيد التشريع شيئاً.

والجواب: أنّ الجعل والمجعول صحيح أنّهما متّحدان خارجاً، وليس الفرق بينهما إلّا بلحاظ جهة الانتساب إلى الفاعل أو القابل تماماً كالإيجاد والوجود، إلّا أنّ هذا لا يضرّ بتماميّة الحلّ الذي تبنّاه اُستاذنا الشهيد.

توضيح ذلك: أنّه يتصوّر لربط المولى للحكم بالعلم به معنيان:

المعنى الأوّل: أن يقصد بذلك توقيف الجعل ابتداءً على العلم بالمعنى الحقيقىّ لكلمة التوقيف، وهذا يستحيل صدوره عن الجاعل بما هو جاعل حتّى لو غضّ النظر عن المحاذير السابقة؛ فإنّ الجعل عمل للجاعل، والعامل يستحيل أن يجعل عمله بنفس هذا العمل متوقّفاً (بالمعنى الحقيقىّ للتوقّف التكوينىّ) على شيء، فقد يكون عمل فاعل ما متوقّفاً على شيء ابتداءً، كتوقّفه على مقدّمات لولاها لما كان قادراً على ذاك العمل، أو متوقّفاً عليه بسبب تعجيز معجّز له عن ذاك العمل في فرض عدم ذاك الشيء ولو كان المعجّز نفس الفاعل، ولكن لا يعقل كونه معجّزاً لنفسه عن ذلك بنفس هذا العمل، كما هو واضح. إذن فهذا المعنى خارج عن محلّ الكلام أساساً.

المعنى الثاني: أن يقصد بذلك تضييق دائرة الحكم، فبدلاً من أن يجعل وجوب الحجّ على مطلق المستطيع يجعله على المستطيع العالم، وهذا ليس ابتداءً توقيفاً للجعل على العلم، بل تضييق وتحصيص للمفاد