المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

349

الشخص إلّا باستطاعته، واستطاعته مساوقة لتحقّق المجعول في حقّه(1).

ويرد عليه: أنّنا نقصد بأخذ العلم بالجعل في متعلّق المجعول: أخذ العلم بجعل (لم يقع فاصل بينه وبين كونه جعلاً بشأن زيد عدا العلم به) في متعلّق المجعول، أو قل: أخذ العلم بجعل لو علم به لكان جعلاً بشأنه في متعلّق المجعول. وبهذا ينتهي المحذور(2).

 


(1) لا ندري هل المقصود بذلك إرجاع الأمر إلى المحذور بلحاظ المجعول والفعليّة، أي: أصبح في الحقيقة العلم بالحكم الفعليّ، أو قل بالمجعول موضوعاً للحكم الفعليّ أو المجعول، أو المقصود بذلك إبقاء المحذور في دائرة الجعل، بأن يقال: إذا اُخذ العلم بجعل وجوب الحجّ على زيد ـ مثلاً ـ في موضوع الوجوب الفعليّ للحجّ على زيد، لم يعد المتوقّف على العلم بالجعل هو المجعول فحسب كي يخلو من المحذور، بل أصبح نفس الجعل بشأن زيد متوقّفاً عليه؛ لأنّ كون الجعل جعلاً بشأن زيد متوقّف على تحقّق كامل أجزاء موضوع الجعل التي منها علمه بالجعل؟

(2) أقول: إنّ هذا الوجه وهو أخذ العلم بالجعل شرطاً في موضوع المجعول صحيح أنّه كاف لعلاج مشكلة الدور، ومشكلة التهافت بين طبيعة العلم وطبيعة المعلوم، ومشكلة عدم قابليّة الحكم للوصول لتوقّف العلم به على العلم به، ولكنّه لا يكفي لعلاج ما مضى نقله عن المحقّق النائينيّ(رحمه الله): من محذور لزوم تقدّم الشيء على نفسه في منظار الجعل، فالجاعل الذي يفرض العلم بالجعل مفروغاً منه سابقاً وبالتالي يفرض نفس الجعل مفروغاً منه كيف ينشئ الجعل مرة اُخرى؟!

نعم، قد عرفت أنّ هذا الوجه في ذاته غير صحيح؛ إذ الفراغ من العلم بالجعل لا يستلزم عدا الفراغ من المعلوم بالذات، وهو وجود الجعل في نفس العالم، لا الفراغ من المعلوم بالعرض، وهو ذات الجعل.

بقي علينا شرح الحال فيما أشار إليه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّ هذا الوجه ـ وهو حلّ الإشكال بأخذ العلم بالجعل شرطاً في المجعول ـ يمكن إسراؤه إلى مبناه هو(قدس سره) في تصوير الجعل والمجعول.

فنقول: إنّنا تارة ننساق مع التصوّر المعروف عن المحقّق النائينىّ(رحمه الله): من قياس القضايا التشريعيّة بالقضايا التكوينيّة، فكما أنّ في قولنا: النار محرقة تكون القضيّة الحقيقيّة الراجعة إلى القضيّة الشرطيّة صادقة من أوّل الأمر، ولكن فعليّة الجزاء تتأخّر إلى حين فعليّة الشرط، كذلك وجوب الحجّ على تقدير الاستطاعة يثبت على شكل القضيّة الحقيقيّة والشرطيّة، ويصبح الوجوب فعليّاً عند تحقّق الشرط؛ ولذا نرى أنّه حينما يقول المولى: ﴿لله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً﴾ يثبت الحكم، وفي نفس الوقت لا وجوب على الأفراد غير المستطيعين، وعند ما تتمّ الاستطاعة بشأن أحد يثبت الوجوب له، فالثاني نسمّيه بالمجعول، والأوّل نسمّيه بالجعل. وحينئذ من الواضح صحّة الحلّ الذي قام به اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في المقام: من افتراض أنّ العلم بالجعل اُخذ في موضوع المجعول.

واُخرى لا نقبل هذا البيان، ونرى قياس المقام بالاُمور التكوينيّة قياساً مع الفارق، ففي الاُمور التكوينيّة يتحقّق الجزاء في لوح الخارج بتحقّق الشرط، أمّا في باب الأحكام، فلايتحقّق بتحقّق الشرط شيء، لا في لوح الخارج، ولا في لوح نفس المولى، على مستوى الحبّ والبغض، أو على مستوى الاعتبار والجعل: أمّا عدم تحقّق شيء في لوح الخارج، فواضح؛ لأنّ الأحكام ليست من الاُمور الخارجيّة كالاحتراق، وأمّا عدم تحقّق اعتبار آخر، فأيضاً واضح؛ إذ معنى تحقّقه تعدّد الجعل، وهو خلاف المفروض، وأمّا عدم تحقّقه في عالم الحبّ ←