المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

348

والواقع: أنّ البراهين الماضية ما تمّ منها لا يثبت عدا استحالة أخذ العلم بالحكم في موضوع متعلّقه بنحو يتّحد بالدقّة ما تعلّق به العلم مع ما توقّف على العلم. ولدينا وجهان لعلاج الموقف بشكل لا يعود أخذ العلم بالحكم في موضوع متعلّق الحكم إلى الاتّحاد الحقيقىّ بين ما تعلّق به العلم وما توقّف عليه:

الوجه الأوّل: أنّ بإمكان المولى أخذ العلم بالجعل في مرتبة المجعول، فلم يكن ما تعلّق به العلم عين ما ترتّب على العلم بالدقّة حتّى يلزم محذور، وفي نفس الوقت قد توصّل المولى إلى غرضه من اختصاص حكمه بدائرة العالمين.

ولافرق في ذلك بين أن نتصوّر الفرق بين الجعل والمجعول بالشكل المتعارف ذكره، أو نختار معنىً أدقّ وأعمق يأتي بيانه في محلّه إن شاء الله.

ولننهج هنا في مقام البيان المنهج المتعارف ذكره حيث يقال: إنّ الشارع لمّا جعل وجوب الحجّ على المستطيع مثلاً ـ ولنفرض أنّه في ذلك الحين لم يكن أحد مستطيعاً ـ فلاإشكال في أنّه وجد بذلك في عالم التشريع حكم لم يكن موجوداً قبله، وهذا هو المسمّى بالجعل، ولكنّا لو وجّهنا سؤالاً إلى أىّ إنسان في ذلك الزمان عن أنّه هل يجب عليك الحجّ ـ والمفروض بشأنه عدم الاستطاعة ـ لأجاب بالنفي، ولو سألناه عن ذلك بعد استطاعته، لأجاب بالإيجاب، إذن قد تحقّق بشأنه بعد تماميّة الجعل وجوب عند اتّصافه بالاستطاعة، وهذا الوجوب لم يكن موجوداً بشأنه قبل استطاعته، وهذا هو المسمّى بالمجعول.

إذن فالمجعول غير الجعل، وعليه فلا مانع من أخذ العلم بالجعل شرطاً لتحقّق المجعول. وقد ذكرنا للسيّد الاُستاذ هذا العلاج، أعني: أخذ العلم بالجعل موضوعاً للمجعول، فأجاب عنه بما ذكر في (الدراسات): من أنّ جعل الحجّ ـ مثلاً ـ على المستطيع ليس جعلاً بشأن زيد، إلّا إذا استطاع زيد، والجعل إنّما يكون جعلاً بشأن شخص ما حينما يكتمل بشأن ذاك الشخص كلّ شرائط المجعول، والمقصود من أخذ العلم بالحكم في متعلّق الحكم ليس هو أخذ العلم بحكم أحد في متعلّق حكم شخص آخر، وإلّا فإمكانه بمكان من الوضوح، وإنّما المقصود هو: أخذ العلم بحكم شخص في متعلّق حكم ذلك الشخص، وعليه فقد عاد المحذور؛ لأنّ جعل وجوب الحجّ ـ مثلاً ـ لا يكون جعلاً لهذا