المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

346

وهذا الوجه وجه وجدانىّ، وليس برهانيّاً، وهو وجه متين.

وبالإمكان أن نذكر في المقام وجهين برهانيّين لإثبات عدم إمكان أخذ العلم بالحكم شرطاً في متعلّقه:

الوجه الأوّل: أنّ الهدف من إيجاد المولى لهذا الحكم لو كان هو تحريك العبد: بأن يقع أحياناً في سلسلة علل علم المكلّف به، فيتحرّك به بواسطة العلم، قلنا: إنّ هذا الهدف لن يتحقّق أبداً؛ إذ من المستحيل وقوع وجود هذا الحكم في سلسلة علل علم المكلّف به؛ لأنّ هذا يستلزم الدور؛ إذ هذا يعني توقّف علم المكلّف عليه توقّف المعلول على علّته، في حين أنّه هو متوقّف على علم المكلّف توقّف الحكم على موضوعه.

أمّا لو لم يكن الهدف ذلك، كما لو كان المولى يكتفي بما قد يتّفق من حصول العلم للمكلّف بالحكم من دون أن يقع ذلك الحكم في سلسلة علل حصول العلم، إذن فيلغو إيجاد هذا الحكم؛ إذ ليس هو المحرّك للعبد، وإنّما المحرّك له هو علمه الذي سيحصل حتّى لو لم يوجد المولى ذلك الحكم. ولا يتأتّى هنا الإشكال الذي ذكرناه على السيّد الاُستاذ فيما سبق: من فرض حرمة التجرّي، حيث قلنا: إنّ هذه الحرمة تؤكّد الحرمة التي يعتقد بها المتجرّي، فقد توجب ردعه عن المعصية على الرغم من أنّ الحرمة الاُولى لم تكف لردعه؛ وذلك لأنّ المفروض أنّ الحكم المتوقّف على العلم هنا ليس حكماً جديداً يؤكّد أثر الحكم الأوّل المعتقد به في تحريك العبد، بل المفروض أنّه هو نفس الحكم الذي تعلّق به العلم.

هذا هو الوجه الأوّل من الوجهين البرهانيّين اللذين يمكن ذكرهما في المقام، إلّا أنّ


آخر صبّه رأساً على مرحلة الجعل: وهو أنّه يلزم من أخذ العلم في متعلّقه ما هو روح الدور في مرحلة الجعل: من تقدّم الشيء على نفسه، وليس الدور، وتعبير الأصحاب بالدور مبنىّ على المسامحة؛ وذلك لأنّ الجاعل على وجه القضايا الحقيقيّة يرى بمنظار الجعل الموضوع مفروض الوجود ومفروغاً منه، فإذا كان الموضوع هو العلم بالحكم، فهو يرى العلم بالحكم بمنظار الجعل مفروض الوجود ومفروغاً منه سابقاً، وبالتالي يرى الحكم كذلك؛ فإنّ العلم بالحكم بعد الحكم؛ إذ انقسام الحكم إلى العلم به وعدمه من الانقسامات اللاحقة، والجاعل الذي يرى الحكم بمنظار الجعل مفروغاً منه سابقاً كيف يجعله مرة اُخرى؟!

أقول: إنّ هذا التقريب الثاني: وهو تقريب روح الدور بالبيان الذي ذكره المحقّق النائينىّ(رحمه الله)يبطل ـ أيضاً ـ بما أورده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) على تقريب الدور: من أنّ العلم إنّما يتقوّم بالمعلوم بالذات، ولا يتقوّم بالمعلوم بالعرض، فليس العلم بالحكم بعد الحكم.