المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

327

نحن على فرض صحّة جميع المقدّمات الثلاث: من أنّ جعل الحجّيّة لا يعقل إلّا بأحد الوجهين، وأنّ السيرة العقلائيّة دليل على حجّيّة خبر الواحد، وأنّ ما عداها إن تمّ فهو مسوق لإمضاء طريقة العقلاء، وأنّ العقلاء بما هم عقلاء ليس من شأنهم البعث والزجر وجعل الحكم التكليفىّ. ومع ذلك نناقش فيما استدلّ به(رحمه الله) على جعل الطريقيّة في الأمارات.

وتوضيح ذلك: أنّ الاستدلال بالسيرة العقلائيّة على حجّيّة خبر الواحد يتصوّر بأحد وجهين:

الأوّل: التمسّك بسيرة العقلاء بما هم عقلاء على العمل بخبر الواحد في مقام استيفاء أغراضهم الشخصيّة، أمّا كيف يتمّ الاستدلال بذلك على حجّيّة خبر الواحد في الأغراض المولويّة؟ فبيانه موكول إلى بحث حجّيّة خبر الواحد.

والثاني: التمسّك بسيرتهم بما هم موال لابما هم عقلاء بحتاً، بمعنى: أنّ سيرتهم قامت على أنّ كلّ واحد منهم لو تقمّص قميص المولويّة، لجعل خبر الواحد حجّة على عبده، ورافعاً لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

فإن فرض التمسّك لإثبات حجّيّة خبر الواحد بالوجه الأوّل، فهذا لا يدلّ على جعل العقلاء للطريقيّة؛ فإنّ سيرة العقلاء على استيفاء أغراضهم الشخصيّة عن طريق العمل بخبر الواحد لا تستبطن جعلاً أصلاً؛ فإنّ العاقل إنّما يتحرّك نحو العمل بخبر الواحد بلحاظ مدى اهتمامه بغرضه، ويجري خارجاً على طبق خبر الثقة، ويعمل به بلا حاجة إلى جعله أوّلاً حجّة على نفسه، ثُمّ العمل به، وإنّما يعمل به ابتداءً. وليس هنا دعوى جعل الطريقيّة أو الحكم التكليفىّ أو غير ذلك إلّا فضولاً من الكلام، ولو قال عاقل حينما أخبره الثقة بمجيء صديقه ـ مثلاً ـ من السفر: إنّي جعلت خبرك طريقاً لي، أو إنّي أوجبت على نفسي العمل بخبرك، ثُمّ عمل به تحصيلاً لغرضه، عدّ خارجاً من زمرة العقلاء.

وإن فرض التمسّك لإثبات حجّيّة خبر الواحد بالوجه الثاني ـ وهو سيرتهم بما هم موال على جعل الحجّيّة لخبر الواحد بالنسبة إلى عبيدهم، لا سيرتهم في أغراضهم العقلائيّة الشخصيّة بما هم عقلاء ـ قلنا: إنّ ما أفاده المحقّق النائينىّ (قدس سره) ـ: من أنّ العقلاء ليس من رأيهم البعث والزجر وجعل الحكم التكليفيّ ـ إنّما هو بالنظر إلى العقلاء بما هم