المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

324

في أنّ هذا الاعتبار لو لم يترتّب عليه أثر، لكان لغواً، وهو(رحمه الله) يدّعي ترتّب أثر التنجيز والتعذير على ذلك.

وقد أورد المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله) على جعل الأمارة علماً بالاعتبار كي يترتّب عليها قهراً التنجيز والتعذير: أنّه لايعقل ترتّب التنجيز والتعذير على اعتبار الأمارة علماً إطلاقاً، سواء فرض أنّ التنجيز والتعذير أثران عقليّان للعلم، أو فرضا أثرين عقلائيّين له كما هو مختار المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله). فإن فرض الأوّل، قلنا: إنّ الأحكام العقليّة لا تتقوّم إلّا بالاُمور الواقعيّة.

وإن فرض الثاني، قلنا: إنّ الأحكام العقلائيّة ليست بنحو القضايا الحقيقيّة ـ كأحكام الشارع ـ كي تشمل الأفراد الخارجيّة والمقدّرة حتّى يقال: إنّ الشارع أوجد لموضوع الحكم العقلائىّ فرداً جديداً، وإنّما حكم العقلاء عبارة عن عملهم الخارجىّ في الموارد الجزئيّة، والعقلاء ليسوا مشرّعين(1).

ويرد عليه: أنّنا تارة نختار الشقّ الأوّل كما هو الصحيح، وهو المشهور بين الاُصوليّين، وهو مختار المحقّق النائينيّ(رحمه الله)، ونجيب عن الإشكال بأنّ المدّعى ليس هو تقوّم التنجيز والتعذير باُمور اعتباريّة، بل يدّعى تقوّمهما بأمر واقعىّ، وهو نفس اعتبار الشارع الأمارة علماً؛ فإنّ هذا أمر واقعىّ، لا بالمعتبر الذي هو أمر خيالىّ، ويستحيل فلسفيّاً تقوّم الواقعيّات به، فهذا نظير أن تحصل لشخص من تصوّر بحر من زئبق واعتباره حالة نفسانيّة حقيقيّة.

واُخرى نختار الشقّ الثاني، ونجيب عن الإشكال بأنّ العقلاء كثيراً ما يجعلون فيما بينهم قضايا كلّيّة، كجعل وجوب إطاعة أوامر الشخص الفلاني على أنفسهم، كما أنّه كثيراً ما يجعلون فيما بينهم اُموراً جزئيّة بالأعمال الخارجيّة، لكنّه بالتدريج ينعقد في أذهانهم حكم كلّىّ. فقد يدّعى أنّه صدر عنهم العمل الخارجىّ بالنسبة إلى الموارد الجزئيّة التي تمّ في بعضها البيان حقيقة وفي بعضها اعتباراً، وتحقّق من ذلك الحكم الكلّىّ.

وقد تحصّل: أنّ كلام المحقّق النائينىّ(رحمه الله) لايرد عليه الإيراد الأوّل المشهور، ولا الإيراد الثاني الذي نقلناه عن المحقّق الإصفهانىّ(رحمه الله).


(1) نهاية الدراية ج 2 ص 19.