المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

308

ـ دائماً ـ في قبال ما يقصد بآليّة المرآة وفنائها. نعم، قد يلحظ العنوانين فانيين في أفرادهما لا في أفراد المظنون والمقطوع، واُخرى يلحظهما غير فانيين فيها، وهذا مطلب آخر غير مربوط بما نحن فيه.

نعم، يمكن توجيه كلامه(قدس سره): بأن يفترض أنّه(رحمه الله) لايقصد الآليّة والاستقلاليّة بالنسبة إلى التصوّر، وإنّما المقصود هو الآليّة والاستقلاليّة في القصد، بمعنى الصراحة والكناية. فتارة يكون مقصوده الجدّيّ، هو نفس العلم والظنّ كما هو مفاد المدلول الاستعمالىّ، وهذا هو الصراحة، واُخرى يكون مقصوده الجدّيّ المعلوم والمظنون، فيكون الكلام كناية عن قيام المظنون منزلة المعلوم، فلو فرض الجمع بين التنزيلين، لزم الجمع بين الصراحة والكناية.

والشاهد من كلام المحقّق الخراسانىّ(قدس سره) على إرادة هذا المعنى على الرغم من أنّه عبّر مراراً بتعبير اللحاظ الآلىّ والاستقلالىّ ما جاء مرّة واحدة منه في بحث الاستصحاب من التعبير بالكناية(1).

ثُمّ إنّ إشكال استحالة الجمع بين الصراحة والكناية في المقام هو فرع تسليم إمكان الكناية هنا في نفسها: بأن لا نشترط في باب الكناية كون المعنى الكنائىّ المقصود من


(1) هذا إشارة إلى ما جاء في الكفاية في بحث الاستصحاب ص 287 بحسب طبعة المشكينىّ، حيث قال: «إنّما يلزم لو كان اليقين ملحوظاً بنفسه وبالنظر الاستقلالىّ، لاما إذا كان ملحوظاً بنحو المرآتيّة وبالنظر الآلىّ، كما هو الظاهر في مثل قضيّة (لا تنقض اليقين) حيث تكون ظاهرة عرفاً في أنّها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقّن تعبّداً إذا كان حكماً، ولحكمه إذا كان موضوعاً...».

إلّا أنّ ما جاء في تعليقة صاحب الكفاية(رحمه الله) على رسائل الشيخ الأعظم(قدس سره) ربّما لايلائم هذا التوجيه الذي ذكره اُستاذنا الشهيد لكلام صاحب الكفاية؛ ذلك لأنّه(رحمه الله) قد أورد في تلك التعليقة على مسألة كون الجمع بين التنزيلين جمعاً بين اللحاظين: أنّ هذا إنّما يتمّ إذا كان دليل الاعتبار مع لحاظ، أمّا إذا كان من دون ذلك، فلايرد هذا الإشكال.

وأجاب عن ذلك بأنّ هذا الإيراد لا مجال له إذا كان الكلام إنشاءً للتنزيلين؛ إذ إنشاؤه يستحيل أن ينفكّ عن تعيين المنزّل والمنزّل عليه وما فيه التنزيل تصوّراً ولحاظاً. نعم، إذا كان إخباراً عن تنزيل سابق تمّ فيه اللحاظ فلا يلزم الجمع بين لحاظين في خطاب واحد؛ لإمكان حكاية هذا الكلام عن تنزيلين مستقلّين، إلّا أنّه لايوجد دليل على إرادة الإخبار عن كلا التنزيلين إلّا الإطلاق، والإطلاق لا يتمّ عند كون أحدهما قدراً متيقّناً، والقدر المتيقّن في المقام هو التنزيل بلحاظ الحجّيّة، على أنّ الحمل على الإخبار دون الإنشاء خلاف الظاهر.

والسبب في قولنا: (إنّ هذا التعبير ربّما لايلائم توجيه كلام صاحب الكفاية بإرادة الكناية والصراحة) هو وضوح أنّ محذور الجمع بين الكناية والصراحة لا يختصّ بالإنشاء، فهو ثابت في الإخبار أيضاً، في حينأنّه قد يتخيّل ورود محذور الجمع بين اللحاظ الآلىّ والاستقلالىّ في الإنشاء الذي هو ـ في نظر صاحب الكفاية ـ إيجاد للمعنى دون الإخبار الذي ليس إلّا مجرّد الحكاية.