المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

306

ثُمّ إنّ دليل التنزيل تارة يفرض أنّ لسانه لسان إقامة المظنون مقام الواقع، بمعنى جعل حكم على طبق الأمارة بعنوان أنّه هو الواقع؛ ولذا يسمّى بالواقع الجعلىّ، واُخرى يفرض أنّ لسانه لسان إقامة الظنّ منزلة القطع بالواقع.

أمّا القسم الأوّل: فلا إشكال في أنّه إنّما يفيد قيام الظنّ مقام القطع الطريقىّ البحت بالبيان الماضي دون قيامه مقام الموضوعىّ الطريقىّ؛ إذ إنّ هذا بحاجة إلى تنزيل مفقود في المقام، فلم ينزّل الظنّ بالواقع والقطع بالظاهر منزلة القطع بالواقع في آثاره الشرعيّة.

وأمّا القسم الثاني: فهو الذي يبحث فيه عن أنّه هل يمكن إقامة الأمارات والاُصول مقام القطع بكلا قسميه بهذا اللسان، أو لا؟ فالتقريب الابتدائىّ لقيامهما مقامهما معاً هو: أنّ القطع له آثار عقليّة كالتنجيز والتعذير، وآثار شرعيّة، وهي التي جعل القطع موضوعاً لها. ومقتضى إطلاق تنزيل الظنّ منزلة القطع قيامه مقامه في كلا قسمي الأثر.

ولكن المحقّق الخراسانىّ(رحمه الله) ذهب إلى عدم إمكان ذلك، ونبيّن مرامه(قدس سره) في ضمن اُمور ثلاثة:

الأوّل: أنّ عمليّة إقامة الظنّ مقام القطع الطريقىّ لا يمكن أن تكون عبارة عن تنزيل نفس الظنّ منزلة العلم في أثره من الكاشفيّة والتنجيز والتعذير؛ لأنّ هذه الآثار التكوينيّة أو العقليّة ليست بيد الشارع، وإنّما للحاكم تنزيل شيء منزلة شيء آخر في أحكام نفسه لا في الأحكام العقليّة أو التكوينيّة. وإنّما تكون عمليّة إقامة الظنّ مقام القطع الطريقىّ عبارة عن تنزيل المظنون منزلة الواقع، بمعنى جعل حكم على طبقه بعنوان أنّه هو الواقع، فإذا قال الشارع في مقام جعل الظنّ منزلة القطع الطريقىّ: نزّلت الظنّ منزلة القطع، يجب أن يحمل على أخذ الظنّ والقطع على وجه الآليّة، وأنّ النظر إنّما هو إلى المظنون والمقطوع؛ كي يرجع إلى ما ذكرناه.

هذا. وفرض عدم إمكان جعل الآثار العقليّة من التنجيز والتعذير مباشرة هو مبنى


الذين أطنبوا في الكلام في قيام الأمارات والاُصول مقام القطع الموضوعىّ الطريقىّ وعدمه هو الموضوعىّ الطريقىّ بالتصوّر الأوّل، هذا.

ولو كان الموضوع هو جامع الكشف الحجّة وهو يشمل الأمارة ولا يشمل الأصل، فالأمر بلحاظ الأصل يلتحق بالبحث الوارد في القيام مقام الموضوعىّ الطريقىّ بالتصوير الأوّل.