المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

303

ووصولاً، أو قلنا بإسنادها إلى مولويّة المولى، وخصّصنا حقّ المولويّة بفرض البيان(1).

وقد تحقّق من جميع ما ذكرناه: أنّ الوجه المتين في مقام دفع ما ترد من الشبهة على مباني القوم ما مضى: من أنّ دليل حجّيّة الأمارة والأصل يدلّ على اهتمام المولى بالحكم بحيث لا يرضى بفواته حتّى في ظرف الشكّ بالتقريب الذي بيّناه. وحاصل هذا الوجه:

أنّ إنشاء الحكم على قسمين: الإنشاء الواقعىّ، والإنشاء الظاهرىّ، وهما من حيث الدلالة التصوّريّة سيّان، ولكنّهما يختلفان في الدلالة التصديقيّة، فالدّلالة التصديقيّة للأوّل هي ثبوت الإرادة الجدّيّة وروح الحكم في عالم الثبوت، والدلالة التصديقيّة للثاني ليست هي ثبوت الإرادة الجدّيّة وروح الحكم في عالم الثبوت، وإنّما هي الاهتمام بالحكم الواقعىّ على تقدير ثبوته، وهذا هو السرّ في تنجيز الحكم الواقعىّ بالحكم الظاهرىّ سواء قلنا في الحكم الظاهرىّ بجعل الحكم المماثل، أو بجعل الطريقيّة، أو بجعل المنجّزيّة، أو بأىّ شيء آخر، فلو فرض كون جعل الحكم الظاهرىّ لابهذا الداعي، بل بداعي أنّ شخصاً ما بذل ديناراً للمولى ـ مثلاً ـ لقاء جعله لهذا الحكم، لم يكن له أثر في تنجيز الواقع بأىّ لسان كان من ألسنة الحكم الظاهرىّ، وإن فرض كونه بداعي الاهتمام بالواقع وعدم الرضا بفوته عند الشكّ، كان موجباً لتنجيز الواقع بأىّ لسان كان من تلك الألسنة؛ فإنّ كلّ واحد منها مناسب عرفاً لإبراز هذا الاهتمام، ولا فرق بينها بحسب عالم


(1) الظاهر: أنّ كلام المحقّق العراقىّ(رحمه الله) لا علاقة له بالمقدّمتين، وإنّما هو يعتقد أنّ البراءة العقليّة على تقدير ما تتوقّف على عدم البيان على ذاك التقدير، فالبراءة العقليّة على تقدير ثبوت الحكم واقعاً تتوقّف على عدم البيان على ذاك التقدير، فإذا كان البيان على ذاك التقدير تامّاً، فاحتمال الحكم احتمال للحكم المنجّز، واحتمال الحكم المنجّز منجّز. ولم يشر من قريب أو بعيد إلى البرهنة على كون البراءة على تقدير ما متوقّفة على عدم البيان على ذاك التقدير لا عدم وصول البيان بالفعل ولو نتيجة لعدم وصول ذاك التقدير، فكأنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) إنّما ذكر المقدّمتين كتوجيه لهذا المدّعى: بأن تكون المقدّمتان برهاناً على هذا المدّعى، وإلّا فكلام المحقّق العراقىّ(رحمه الله) ليست فيه أي إشارة أو قرينة إلى الاعتقاد ببرهان من هذا القبيل.

وعلى أىّ حال، فيرد عليه ـ مضافاً إلى ما عرفت من كونه مدّعىً بلا برهان، وإلى ما عرفت من أنّ المقصود بالبيان لو كان هو ما يناسب شأن المولى، لزم عدم جريان البراءة العقليّة في الشبهات الموضوعيّة، ولو كان هو العلم، فهو غير موجود حتّى على ذاك التقدير ـ أنّه هل يقصد ببيان الحكم بيان نفس الحكم حقيقة، أو يقصد به بيان اهتمام المولى بالحكم في ظرف الشكّ على تقدير وجوده، وعدم رضاه بفوته في ظرف الشكّ لو كان موجوداً؟ فإن فرض الأوّل، فنحن نمنع كون دليل الحكم الظاهرىّ بياناً للحكم الواقعىّ بهذا المعنى على تقدير مصادفته للواقع، سواء كان المقصود بالبيان إبراز الحكم بالشكل المناسب لشأن المولى، أو المقصود به علمنا بالحكم. وإن فرض الثاني، فهذا رجوع إلى الوجه السابق، وليس وجهاً جديداً.