المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

301

ولكنّنا لو أوّلنا هذا الوجه لإثبات اهتمام المولى بالحكم بمايلي، أصبح وجهاً متيناً، وهو أن يقال: إنّ اكتشافنا لاهتمام المولى بالحكم بدليل الحكم الظاهرىّ يكون سنخ اكتشاف المعنى من اللفظ بالدلالة العرفيّة السياقيّة، فقوله ـ مثلاً ـ: «قف عند الشبهة» يدلّ دلالة لفظيّة على اهتمامه بحكمه عند الشكّ على تقدير وجوده. كما أنّ الأمر ـ مثلاً ـ يدلّ دلالة لفظيّة على الإرادة الجدّيّة للوجوب. وهذه النكتة سارية في تمام موارد الأمارات والاُصول لإثبات استحقاق العقاب على مخالفة الواقع. وضمّ جعل العلم والطريقيّة إليها ضمّ للحجر إلى جنب الإنسان. فلو جعل المولى الأمارة علماً من دون أن يقصد بذلك الاهتمام بحكمه في ظرف الشكّ، لم ينقطع العذر. ولو دلّ الدليل على اهتمام المولى بذلك، انقطع العذر سواء كان ذاك الدليل بلسان الإخبار عن اهتمامه، أو بلسان جعل العلم، أو جعل الاحتياط، أو الحكم المماثل، أو غير ذلك.

الثاني: ما يظهر بمقدّمتين:

الاُولى: أنّ عدم الشيء إنّما يسند إلى وجود المانع عند وجود المقتضي، وإلّا اُسند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع.

والثانية: أنّ الحكم الواقعىّ مقتض للعقاب على مخالفته، وعدم البيان مانع عن ذلك.

واستنتج(رحمه الله) من هاتين المقدّمتين: أنّ موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان إنّما هو عدم البيان على تقدير وجود الحكم في الواقع لا مطلق عدم البيان. وهذه هي نكتة الجواب في المقام؛ إذ يقال: إنّ الخطاب الواصل بدليل الأمارة أو الأصل إن كان موافقاً للحكم الواقعىّ، إذن هو بيان للحكم الواقعىّ الناشئ عن مبادئ الحكم الحقيقيّة، وإن كان مخالفاً له، فهو صرف إنشاء بلا روح. وقد عرفت أنّ موضوع البراءة العقليّة إنّما هو عدم البيان على تقدير وجود الحكم في الواقع. وهذا الموضوع منتف بهذه الأمارة أو الأصل؛ لتحقّق البيان على تقدير تحقّق الحكم واقعاً.

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّه لو كان مراده بالبيان فيما يسلّمه من قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو ما يكون وظيفة للمولى، ومن الشؤون الراجعة إليه من ذكره لكلام يدلّ على حكمه، وجعل ذلك في معرض الوصول، للزم أن لا يقول بجريان البراءة العقليّة في الشبهات الموضوعيّة؛ لأنّ