المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

299

الحكم الطريقىّ ليس وراءه في غير فرض المصادفة للواقع شيء من مبادئ الحكم من الحبّ والبغض والمصلحة والمفسدة، إذن فلا عقاب عليه، وإنّما العقاب على الواقع، والمفروض عدم تماميّة البيان بالنسبة إليه.

ولو التزمنا بثبوت العقاب على نفس مخالفة الأمارة والأصل إمّا بدعوى السببية، أو بدعوى استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الطريقىّ. فهذا ليس قياماً للأمارة والأصل مقام القطع الطريقىّ؛ فإنّ القطع الطريقىّ ينجّز الواقع، وهذا لم ينجّز الواقع. هذا مع ما سيأتي في محلّه ـ إن شاء الله ـ من بيان بطلان هذين المبنيين.

وهذا الإشكال إنّما يتوجّه بناءً على مبنى القوم: من إسناد الحجّيّة إلى القطع، ودعوى قاعدة اُخرى في قبال قاعدة حجّيّة القطع: وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

أمّا بناءً على ما هو المختار: من أنّ الحجّيّة ليست هي من شأن القطع بما هو قطع، بل من شأن مولويّة المولى، وأنّ حقّ مولويّة المولى كما يشمل أحكامه المقطوعة كذلك يشمل أحكامه المشكوكة، فمن احتمل وجود حكم للمولى، ولم يقطع بأنّه يرضى بتركه عند الشكّ ـ بالنحو الذي سنجمع به بين الحكم والرضا بتركه في بحث الجمع بين الحكم الظاهرىّ والواقعيّ ـ وجب عليه عقلاً الطاعة والعمل بالحكم المحتمل.

أقول: بناءً على هذا المبنى لا يبقى موضوع للإشكال في منجّزيّة الأمارة والأصل؛ لأنّ نفس الاحتمال لحكم منجّز بحسب الفرض، ولا مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان. فيرجع البحث فيما نحن فيه إلى تصوير وجه قيام الأمارات والاُصول مقام القطع الطريقىّ في التعذير لا في التنجيز. وتصويره في غاية السهولة بناءً على ما سيأتي في بحث الجمع بين الحكم الظاهرىّ والواقعىّ من إمكانيّة اجتماع الحكم مع الرضا بتركه عند الشكّ. ونقول في المقام: إنّ العقل إنّما يحكم بوجوب الطاعة للحكم المشكوك فيما إذا لم يحصل القطع برضا المولى بمخالفة حكمه عند الشكّ، ودليل الأمارة أو الأصل أثبت رضاه بها.

أمّا لو بنينا على مباني القوم من قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وأنّ القطع حجّة بذاته بلحاظ كونه بياناً بخلاف الشكّ، فهنا يتّجه الإشكال: في أنّ الأمارة والأصل كيف ينجّزان الواقع على رغم من أنّ الشكّ في الواقع مازال محفوظاً؟! فبناءً على هذه المباني لابدّ من استئناف البحث، فنقول: