المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

240

نعم، في أصل استحالة اجتماع حكمين متماثلين كلام.

والتحقيق: أنّه حتّى مع الالتزام باستحالة ذلك لا يتمّ ما أفاده المحقّق النائينىّ(رحمه الله)في الفرض الثالث، لا لما ذكره السيّد الاُستاذ من الجوابين، بل لأنّ النسبة بين الخمر الواقعىّ ومعلوم الخمريّة عموم من وجه حتّى في نظر المكلّف؛ فإنّه يعلم أنّه ربّما يكون شيء معلوم الخمريّة ولو عند غير هذا الشخص، ولايكون في الواقع خمراً، غاية الأمر أنّه يتخيّل أنّ تمام أفراد معلوم الخمريّة عنده داخلة في مادّة الاجتماع.

الوجه الثاني: ما ذكره في (الدراسات)، وهو: أنّ الحرمة المستكشفة من القبح إن فرض اختصاصها بفرض التجرّي، كان ذلك بلا موجب؛ إذ فرض التجرّي ليس بأسوأ حالاً من فرض المصادفة، وإن فرض شمولها لمورد المصادفة، لزم التسلسل؛ إذ لكلّ خطاب عصيان، وباعتبار ذاك العصيان يتولّد خطاب آخر، وله عصيان، ويتولّد منه خطاب آخر و...

والجواب: أنّ التسلسل المستحيل إنّما هو التسلسل الحقيقىّ، وهو: التسلسل في الوجودات الواقعيّة: بأن تكون كلّ حلقة مرتبطة بحلقة اُخرى، كما لو فرض إنكار واجب الوجود، وقلنا: إنّ كلّ ممكن معلول لممكن آخر إلى ما لا نهاية له، أمّا التسلسل المصطلح عليه بعنوان (لا يقف) بمعنى: أنّه لا يقف ما لم يقف تصوّر المتصوّر واعتبار المعتبر، فلا استحالة فيه، فالعقل يستمرّ في الاعتبار إلى أن يكلّ من المشي، فينقطع بوقوفه التسلسل، كما يقال: إنّ الإنسان ممكن، وإمكانه واجب، ووجوب إمكانه واجب، ووجوب هذا الوجوب واجب، وهكذا يتصوّر العقل ذلك إلى أن يكلّ(1)، وما نحن فيه من هذا القبيل، أي: إنّ التسلسل فيه ليس حقيقيّاً، فالعقل إذا التفت إلى أنّ هذا شرب معلوم الخمريّة وهو حرام، تحقّق قبح آخر، وتحدّدت حرمة ثالثة، وهكذا إلى أن يكلّ العقل، وينقطع التسلسل.

على أنّه لو سلّم إشكال التسلسل في المقام، التزمنا بالشقّ الأوّل، وهو: اختصاص الحكم بفرض التجرّي، بدعوى أنّ المقتضي للحكم ثابت في فرض المصادفة أيضاً، لكن هناك مانع عن شمول الحكم لفرض المصادفة، وهو لزوم التسلسل.


(1) كأنّ هذا المثال جري على مذاق القوم، وأمّا هو (رضوان الله عليه) فيرى أنّ الإمكان وهذه الوجوبات ليست اُموراً اعتباريّة، بل هي من الاُمور الموجودة في لوح الواقع بحسب مصطلحه، وهذا النحو من التسلسل لا استحالة فيه أيضاً.