المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

238

الأصحاب من الجعل والفعليّة، قلنا: إنّ ما في طول حرمة شرب الخمر الواقعىّ إنّما هو فعليّة حرمة الفعل المتجرّى به لانفس جعل الحرمة؛ لأنّه اُخذ في موضوع حرمة الفعل المتجرّى به وصول حرمة الخمر الواقعىّ، وفعليّة الحكم تكون في طول تحقّق موضوعه، أمّا الجعل فليس متأخّراً عن الموضوع؛ لعدم توقّفه على وجود الموضوع خارجاً، وإنّما هو بحاجة إلى فرض وجود الموضوع، وفرض المتأخّر ليس متأخّراً، واللذان جمع بينهما في المقام في عرض واحد إنّما هما الجعلان، وهما ليسا طوليّين، واللذان هما طوليّان لم يجمع بينهما في عرض واحد.

ولايقاس المقام بمسألة أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم، أو أخذ عنوان الامتثال فيه؛ فإنّ الإشكال المدّعى فيهما هو لزوم أخذ ما هو متأخّر عن الحكم في الحكم، في حين أنّ الإشكال المدّعى فيما نحن فيه هو لزوم أخذ أمرين طوليّين في عرض واحد، وقد عرفت جوابه.

الفرض الثاني: فرض حرمة الفعل المتجرّى به بالخصوص، وكان إشكاله استحالة الوصول إلى المكلّف، وهذا الإشكال لا يرد على الفرض الأوّل؛ إذ الحكم فيه كان متعلّقاً بالجامع بين الواقع والفعل المتجرّى به وهو واصل إلى المكلّف، وهذا بخلاف الفرض الثاني الذي يكون الحكم فيه خاصّاً بالفعل المتجرّى به ولايلتفت المكلّف إلى ذلك، وإلّا خرج عن عنوان التجرّي، فلايصل إليه الخطاب أبداً.

والجواب: أنّه يكفي وصوله إلى المكلّف بطرفيّته للعلم الإجمالىّ في فرض عدم العلم بالواقع، توضيح ذلك: أنّ التجرّي ـ كما مضى ـ لا يختصّ بفرض العلم بالواقع، بل يثبت في مطلق موارد تنجّز الواقع ولو بغير العلم، والمحقّق النائينىّ(رحمه الله)معترف بذلك، وعليه نقول: لو تنجّز الواقع بغير العلم، وفرضنا حرمة الفعل المتجرّى به، حصل للمكلّف العلم الإجمالىّ بحرمة هذا الفعل إمّا بعنوانه الأوّليّ، أو بعنوان كونه متجرّى به، وهذا المقدار من الوصول كاف في رفع الإشكال.

نعم، لو صيغ الإشكال بصياغة أنّ هذا الحكم ليس قابلاً للتحريك؛ لمسبوقيّته ـ دائماً ـ في نظر المكلّف بمحرّك آخر فيلغو، لم يتمّ الجواب عنه بما ذكرناه، لكن هذا الإشكال لا يختصّ بهذا الفرض، بل هو مشترك الورود بين الفروض الثلاثة.