المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

235

وتوضيح ذلك: أنّ موضوعات الأحكام على قسمين:

الأوّل: ما لا يطلب من المكلّف إيجاده، ويعتبر مفروض الوجود(1)، كما في مثل: (أكرم العالم) الراجع في روحه إلى قولنا: (إن وجد عالم فأكرمه)، وفرض الفراغ من وجوده هو عين فرض المصادفة، فالمصادفة ليست مأخوذة في التكليف؛ كي يلزم التكليف بغير المقدور، بل التكليف يتوجّه بعد فرض المصادفة، وفرض عدم المصادفة يساوق فرض عدم التكليف.

والثاني: ما لا يفرض وجوده مفروغاً منه، ويجب إيجاده لو لم يكن موجوداً، كما في أمر الطبيب للمريض بشرب السكنجبين ـ مثلاً ـ المساوق لوجوب إيجاد السكنجبين لو لم يكن موجوداً، وعندئذ: تارة نفترض أنّ المكلّف يخطأ ـ صدفة ـ في كلّ المصاديق، واُخرى نفترض أنّه يخطأ في بعضها، ولا يخطأ في الكلّ، فإن فرض خطؤه في كلّ المصاديق، التزمنا بسقوط التكليف عنه؛ لعدم قدرته على الامتثال(2)، وإن فرض خطؤه في بعض المصاديق دون بعض، إذن هو قادر على الامتثال والإتيان بمفاد كان التامّة ولو في ضمن فرد آخر غير الفرد الذي أخطأ فيه، والذي هو خارج عن قدرته إنّما هو مفاد كان الناقصة، أي: كون هذا الشرب شرب السكنجبين، فدعوى تعلّق التكليف بغير المقدور فيه خلط بين مفاد كان التامّة ومفاد كان الناقصة.

وبكلمة اُخرى: أنّ التكليف مختصّ بفرض القدرة؛ لاستحالة التكليف بغير المقدور، وفرض القدرة هو عين فرض المصادفة ولو في الجملة وبلحاظ بعض المصاديق، فلابدّ أن تكون المصادفة مفروغاً منها، فرجع الأمر إلى ما ذكرناه من الجواب في القسم الأوّل.


(1) وبتعبير أدقّ: ما لا يطلب من المكلّف إيجاده، إمّا لأنّه اُخذ مفروض الوجود، كما في (أكرم العالم)، أو لأنّ التكليف كان تحريميّاً كما في (لا تشرب الخمر). هذا بناءً على ما نقّحه اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في محلّه: من أنّ الموضوع في باب المحرّمات ليس ـ عادة ـ مأخوذاً مفروض الوجود، فعلى رغم أنّه لم يكن مفروض الوجود ليس النهي عن ارتكابه حكماً متعلّقاً بغير المقدور؛ إذ لم يطلب إيجاده ولا ترك إيجاده. وتعبيره (رضوان الله عليه) هنا جري على مشرب القوم.

(2) بل قد يكون قادراً على الامتثال إلّا أنّه لا يمتثل خطأً، وعندئذ يكون حال هذا حال الفرض الثاني، وتأتي فيه ضرورة التمييز بين مفاد كان التامّة والناقصة.