المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

234

والذي ينبغي أن يذكر في مقام تقريب الاستدلال على شمول الخطابات الأوّليّة لفرض التجرّي هو ما بيّنّاه في مستهلّ البحث.

والجواب عنه: أنّ كون تعلّق الحكم بالواقع مستلزماً للتكليف بالمحال ممنوع.

 


وأمّا المقدّمة الاُخرى، وهي تعلّق إرادة العبد بالمعلوم لا بالواقع، أي: إنّ العلم اُخذ في موضوع الإرادة، فقد أورد عليها المحقّق النائينيّ(رحمه الله) إيرادين:

الأوّل: أنّ الإرادة تتعلّق بالفعل بوجوده الواقعىّ، والعلم ليس دخيلاً في متعلّق الإرادة، صحيح أنّه لولا العلم لما تحرّك العبد نحو الفعل، ولكن هذا ليس بمعنى كون متعلّق الإرادة هو المعلوم بوصف كونه معلوماً، بل بمعنى: أنّ العلم من مقدّمات وجود الداعي إلى الفعل، فلو لا العلم لم يوجد داع إلى الفعل، وحينما يوجد العلم يتكوّن الداعي إلى الفعل، وتوجد الإرادة المتعلّقة بالفعل.

والثاني: أنّنا لو سلّمنا أنّ العلم مأخوذ في موضوع الإرادة، وأنّ الإرادة تعلّقت بالمعلوم بوصف كونه معلوماً، قلنا: إنّ العلم هنا لم يصبح موضوعاً ومتعلّقاً للإرادة بما هو صفة بأن يكون العلم موضوعيّاً صفتيّاً، وإنّما هو موضوع للإرادة بوصفه كاشفاً عن المعلوم، أي: إنّ العلم هنا موضوعىّ طريقىّ، وإذا أخطأ العلم كما هو المفروض في موارد التجرّي، لم يكن العلم طريقاً إلى واقع المعلوم، فلم يتحقّق موضوع العصيان.

وشيء من هذين الإيرادين لا يرد عليه ما مضى عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّه لو كان المحرّك هو الواقع، للزم في باب التجرّي التحرّك بلا محرّك، فليس المدّعى كون الواقع محرّكاً، فليكن المحرّك للإرادة هو العلم، وإنّما المدّعى أنّ متعلّق الإرادة التي حرّكها العلم هو الواقع، أو المعلوم مع أخذ العلم موضوعاً بما هو كاشف.

نعم، يرد على الإيراد الثاني ـ من كون العلم بعد التسليم مأخوذاً في الموضوع بما هو كاشف، فلا يشمل فرض التجرّي ـ ما مضى عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّ كون العلم الموضوعىّ مأخوذاً بما هو كاشف لا يستدعي كون الواقع جزء موضوع، بل بالإمكان كون العلم الموضوعىّ بما هو كاشف تمام الموضوع.

وبتعبير أدقّ: أنّ كون العلم الموضوعىّ طريقيّاً لاصفتيّاً لايستدعي كونه جزء موضوع، ولاعدم انفكاكه عن الواقع بدعوى أنّ الكاشف لا ينفكّ عن المنكشف؛ فإنّ كاشفيّة العلم ثابتة حتّى عند الخطأ.

كما أنّ هناك ملاحظة اُخرى في البحث على المقدّمتين اللتين جعل البرهان مؤلّفاً منهما، وهي: إنّ واحدة منهما ـ وهي فرض أنّ الإرادة والاختيار تتعلّق بالعلم، ولا تتعلّق بالفعل ـ كافية في إثبات المطلوب: من شمول الحكم لفرض التجرّي لو تمّت، بلا حاجة إلى ضمّ المقدّمة الاُخرى إليه، وهي كون التكليف متعلّقاً بالإرادة لابالفعل؛ وذلك لما مضى عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): من أنّه إذا كان الاختيار يتعلّق بالمعلوم بما هو معلوم ـ والمنحفظ في ضمن التجرّي ـ فحتّى لو كان التكليف متعلّقاً بالفعل يجب أن يكون متعلّقاً بفعل المعلوم بالمعنى المنحفظ في ضمن التجرّي، لابواقع شرب الخمر الذي هو خارج عن الاختيار.

ويرد ـ أيضاً ـ على الجواب عن قيد المصادفة بخروجها عن القدرة: أنّ خروج قيد التكليف عن القدرة لايجعل التكليف تكليفاً بغير المقدور، وليس كخروج قيد المكلّف به عن القدرة. وهناك ـ أيضاً ـ نقض يرد على القول بأنّ التكليف تعلّق باختيار المعلوم، ذكره في مصباح الاُصول، وهو النقض بالواجبات؛ إذ إنّه يلزم من ذلك أنّ من صلّى قبل الزوال مثلاً؛ لتخيّل دخول الوقت، ثمّ انكشف خلافه، أجزأته صلاته؛ لأنّ التكليف متعلّق باختيار الصلاة فيما علم أنّه وقت الزوال، وقد فعل.