المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

233

شرب الخمر، وهو غير ثابت في فرض الخطأ(1).

 


(1) لايخفى أنّ الموجود في أجود التقريرات في المقام في غاية التشويش، والذي يغلب على الظنّ هو: أنّ ما في تقرير الشيخ الكاظمىّ(رحمه الله) أفصح في توضيح مقصود المحقق النائينىّ(قدس سره)، وحاصل ما يظهر من مجموع التقريرين بعد حذف التشويشات الموجودة في أجود التقريرات، التي منها ما يتراءى كونه إضافة لمقدّمة أجنبيّة تماماً عن المقام، هو: أنّ البرهان على شمول التكليف لفرض التجرّي يتألّف من مقدّمتين:

الاُولى: أنّ التكليف ليس متعلّقاً بالفعل، وإنّما هو متعلّق بالإرادة؛ لأنّ إرادة المولى شأنها تحريك إرادة العبد، فكأنّ المولى عند طلبه يفترض أعضاء العبد أعضاء نفسه، ويوجّه الإرادة نحو تحريكها.

والثانية: أنّ إرادة العبد لا تتعلّق بالفعل بعنوانه الواقعىّ، وإنّما تتعلّق بما اُحرز العنوان فيه، أي: إنّ العلم اُخذ موضوعاً في متعلّق الإرادة، فمن شرب الخمر قد تعلّقت إرادته بشرب ما علم أنّه خمر. والبرهان على ذلك هو: ضرورة أنّ الواقع لا يحرّك الإنسان من دون انكشاف، فالعطشان قد يموت عطشاً ولا يمدّ يده إلى الماء ليشربه، لا لشيء إلّا لعدم علمه بذلك، وربّما لا يفرّ الإنسان من الأسد إلى أن يفترسه، لا لشيء إلّا لعدم علمه بوجوده، وأنّ العلم يحرّك الإنسان حتّى لو كان على خلاف الواقع، فيتحرّك الإنسان نحو الماء الذي علم به ولو كان في الواقع سراباً، ويهرب من الأسد الذي اعتقده ولو كان خيالاً.

فإذا ربطنا إحدى المقدّمتين بالاُخرى كان الأمر كما يلي:

1 ـ تكليف المولى متعلّق بالإرادة.

2 ـ والإرادة متعلّقة بما علم به، لا بالواقع.

إذن فتكليف المولى متعلّق بإرادة ما علم أنّه كذا، فالنهي في «لا تشرب الخمر» مثلاً متعلّق بإرادة شرب ما اُحرز أنّه خمر، وهذا ثابت في حالة التجرّي.

يبقى في المقام شيء: وهو أنّه قد يسلّم بهذه النتيجة، وهي: (أنّ النهي متعلّق بإرادة شرب ما اُحرز أنّه خمر) ولكن يدّعى أنّه يدخل في متعلّق التكليف قيد المصادفة للواقع.

والجواب عن ذلك ـ من قبل القائل بإطلاق الدليل لفرض التجرّي ـ هو: أنّ المصادفة أو المخالفة للواقع أمر خارج عن الاختيار.

وإن شئت فاجعل هذا مقدّمة إضافيّة إلى المقدّمتين السابقتين، فتكون المقدّمات ثلاثاً، إحداها: أنّ متعلّق التكليف يجب أن يكون مقدوراً، فالمصادفة للواقع ليست داخلة تحت التكليف. وهذا الكلام موجود في تقرير الشيخ الكاظمىّ(قدس سره) لا باسم المقدّمة. وفي أكبر الظنّ أنّ هذه المقدّمة الإضافيّة هي التي حوّلت بالتشويش إلى فكرة أنّ موضوع التكليف الخارج عن الاختيار يفرض مقدّر الوجود؛ كي يكون متعلّق التكليف عبارة عن القطعة الاختياريّة فحسب. وجعلت اُولى المقدّمات الثلاث في أجود التقريرات.

أمّا أجوبة المحقّق النائينىّ(رحمه الله) عن المقدّمتين:

فقد أجاب عن دعوى تعلّق التكليف بالإرادة لا بالفعل ـ لكون إرادة المولى محرّكة لإرادة العبد ـ بأنّه صحيح أنّ إرادة المولى محرّكة لإرادة العبد، ولكن ليست إرادة العبد بمعناها الاسمىّ هي المرادة للمولى، بل المراد هو الفعل الصادر بالإرادة والاختيار لا نفس الإرادة، والإرادة تكون مرادة بالمعنى الحرفىّ غير المستقلّ، والدليل على ذلك في أجود التقريرات هو: أنّ مصبّ المصلحة والمفسدة هو الفعل، وفي تقريرات الشيخ الكاظمىّ هو: أنّ الإرادة والاختيار مغفول عنها حين الفعل، ولا يلتفت الفاعل إليها، فلا تصلح لأن يتعلّق بهما التكليف. وما في أجود التقريرات أتقن.