المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الأوّل

142

إمّا لأنّ ظروفهم لم تكن مساعدة، أو لأنّهم لم يحصلوا على تربية صالحة، ولم يعيشوا في بيئة سليمة، ولو خُلّوا وطبعهم، أو وجدوا البيئة المناسبة والصالحة، لكانوا من المؤمنين والمتديّنين.

بهذه الروح الكريمة ينظر السيّد الشهيد إلى أعدائه، فهو سليل جدّه الحسين(عليه السلام) الذي جاد بما لديه من ماء على الجيش الذي قتله فيما بعد. وهكذا فعل السيّد الشهيد(قدس سره)؛ إذ سقاهم بواسطة خادمه (الحاجّ عبّاس) ماءً بارداً شربوه، وهم يحتجزونه.

وكأنّ حالة الصفاء الموجودة لدى السيّد والمتركّزة في أعماقه أثّرت ـ في فترة الاحتجاز لا شعوريّاً ـ بهؤلاء الذين يحتجزونه من حيث لايعلمون؛ إذ إنّ بعضهم اُعدموا بسبب مواقف شجاعة وجريئة أقدموا عليها من أجل السيّد الشهيد.

لقد علمت بخبر إعدام بعضهم، وكنت أعرف أسماءهم؛ إذ كنت أسمع ما يجري بينهم من خلال النافذة، وبعض الوسائل الاُخرى، فتعرّفت بجلّهم، وعندئذ أخبرت السيّد(قدس سره) بأنّ فلاناً أعدموه، وفلاناً أعدموه، فذكّرني بالقِصّة السابقة، وقال: يجب أن تحمل في قلبك الرحمة لكلّ مسلم، فهذه هي رسالتنا.

ومن المواقف التي مازالت تؤثّر في نفسي، ولن أنساها: هو أنّه بعد مضىّ مدّة من الحجز قامت السلطة العميلة بقطع الماء والكهرباء والتلفون، ومنعت دخول وخروج أىّ إنسان إلى بيت السيّد حتّى خادم السيّد، وكانت هناك كمّيّة من المواد الغذائيّة موجودة في دار السيّد، وهي كمّيّة قليلة نفدت خلال مدّة قصيرة، ولم يبقَ عندنا إلّا صندوق من الخبز اليابس التالف، فبدأت عائلة السيّد ترتّب هذا الخبز اليابس كطعام شعبيّ (يعرفه العراقيّون بالمثرودة)، وبقينا مدّةً على هذا الحال، وفي يوم من الأيّام كنت بخدمة السيّد الشهيد ظهراً نتغدّى في ساحة البرّانيّ، لاحظ السيّد الشهيد في وجهي التأثّر والتألّم؛ إذ كان يعزّ علىّ أن أرى هذا الرجل العظيم على هذه الحال! فقال لي: والله إنّ ألذّ طعام ذقته في حياتي هو هذا، قلت: كيف؟! قال: لأنّه في سبيل الله ومن أجل الله.

موقف آخر من المواقف العظيمة: حينما بدأ الاحتجاز، وبعد شهر رمضان المبارك اتّصل هاتفيّاً مدير أمن النجف المجرم (أبو سعد)، وطلب الاجتماع بالسيّد، وكان قد عاد