المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

88

من البيان، لقال الخصم: إنّ المرجّح هو المصلحة في نفس الإرادة، فلو قيل للمريد: لماذا أردت الفعل مع أنّ الفعل والترك متساويان؟ لقال: أردت؛ لأنّ الإرادة كانت أرجح من عدمها، فلابدّ أن ندّعي قبل هذا البرهان بنحو المصادرة: أنّ الشوق المؤكّد والحبّ والبغض لا يكفي في وجودها الترجيح في نفسها. وهذه دعوىً ندّعيها بالوجدان، وفي طولها يتمّ ذلك البرهان، فكان المهمّ(1) إبراز هذه المصادرة، فالعلّة تكويناً للشوق هي الاعتقاد بالكمال أو المصلحة في المشتاق إليه، ولا ينشأ في عالم التكوين المعلول إلّا من علّته، فالشوق لا يحصل بمجرّد الاعتقاد بمصلحة في نفس الشوق، إذن فلابدّ من قياسه إلى متعلّقه، فحينئذ يقال: إنّه لو اشتاق إلى متعلّقه مع افتراض: أنّ وجود متعلّقه وعدمه في نظره سيّان، للزم الترجيح بلا مرجّح، ووجود المعلول بلا علّة، وهو مستحيل.

وأمّا الثاني: وهو علاج الفرع الفقهيّ الذي يمكن أن يجعل نقضاً على القول باستحالة نشوء الشوق والإرادة من مصلحة في نفسه، فالمحقّق العراقيّ (رحمه الله) كأنّه حاول التخلّص من هذا الإشكال، فذكر شيئاً (2) لا يخلو مقصوده من ذلك من غموض، وحاصل ما ذكره: أنّ النكتة والمصلحة الداعية لهذا الشخص إلى قصد الإقامة قائمة بنفس الإقامة، لكن لا بمطلق الإقامة، بل بحصّة خاصّة من الإقامة،



(1) لا يخفى: أنّ دعوى حكم الوجدان بذلك موجودة في نهاية الأفكار، إلّا أنّها لم تفرض كمصادرة في أساس ذلك البرهان، بل جعل البرهان دليلاً داعماً للوجدان، في حين أنّه ينبغي أن يكون الدليل على عدم نشوء الشوق من المصلحة في الشوق هو الوجدان فحسب، ثُمّ يكون الدليل على عدم تعلّق الشوق بالفعل مع تساوي الفعل والترك برهان لزوم الترجيح بلا مرجّح آخذين في موضوع هذا البرهان حكم الوجدان بعدم نشوء الشوق من المصلحة فيه، فلا تصلح المصلحة فيه مرجّحة لوجوده.

(2) راجع نهاية الأفكار، ج 1، ص 174 ـ 175 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.