المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

85

هذا تمام ما أردنا أن نبيّنه في المسألة الثانية.

بقي هنا شيئان:

الأوّل: أنّه مضى في المسألة الاُولى، أي: في أنّ الفاعل هل هو الله أو الإنسان ذكر وجوه خمسة، وقلنا: إنّه في حدود تلك المسألة يكون الوجه الثالث والرابع كلاهما معقولاً، إلّا أنّه إذا ثبتت السلطنة بالشرع أو الوجدان، بطل على ضوء هذه المسألة الوجه الرابع الذي هو مستلزم للجبر، حيث إنّه يجعل مبادئ الإرادة مجرّد مقدّمات إعداديّة وموجبة لقابليّة المحلّ، والله هو الفاعل، فإن فرضنا: أنّ الإرادة حالة نفسانيّة نسبتها إلى النفس نسبة العرض إلى المحلّ، لم يبقَ اختيار للإنسان؛ إذ الإرادة تحصل قهراً، وما يأتي بعدها من فعل يوجده الله. وإن فرضنا: أنّ الإرادة فعل من أفعال النفس يأتي بعدها الفعل الخارجيّ، فالوجه الرابع يقول: إنّ هذا الفعل أيضاً فعل الله، فإنّ الوجه الرابع لا يختصّ بفعل دون فعل، فلو أمكن لفعل أن يصدر من الإنسان، فليكن الفعل الآخر مثله بلا فرق بينهما، وإلّا فكلاهما لا يمكن صدوره منه، فأيضاً لا يبقى اختيار للإنسان، فكلّ ما يثبت السلطنة للإنسان يبطل هذا الوجه.



وثانياً: إنّ هذا المسلك، أي: مسلك تعميم الصدفة على الأفعال الاختياريّة كمسلك تعميم قاعدة (أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد) على الأفعال الاختياريّة ينتهي إلى الجبر؛ لأنّ صدور الفعل منّا كما أنّه لو كان واجباً لكان هذا غير الاختيار، فلزم الجبر، كذلك لو كان صدفةً لكان هذا غير الاختيار، ولزم الجبر، فمن يفترض: أنّ الصلاة تصدر منّا صدفة، وكذلك شرب الخمر، كيف يمكن أن يفترض: أنّنا صلّينا باختيارنا، أو شربنا باختيارنا؟!

والخلاصة: أنّ كون نسبة الفعل إلينا نسبة الاختيار شيء يقابل كون نسبته إلينا نسبة الوجوب، أو كون نسبته إلينا نسبة الصدفة.