المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الثاني

84

وعلى أيّ حال، فيكفي لإبطال برهان الجبر ما عرفته من إبداء احتمال كون الإنسان مصداقاً لمفهوم السلطنة(1).



(1) فيبقى الوجدان الحاكم بالاختيار خالياً عن المزاحمة بالبرهان. وهذا الوجدان غير الوجدان الذي مضى ذكره الذي كان حاكماً بالفرق بين حركة يد المرتعش وحركة يد السليم؛ فإنّه كان يكفي إشباعاً لذاك الوجدان فرض: أنّ حركة يد السليم حركة بإرادته، وليست يد السليم كعصا بيد الخالق هو الذي يحرّكها، وإلّا لكانت مثل حركة يد المرتعش، أي: يكفي لإشباع ذاك الوجدان إنكار الجبر الأشعريّ، في حين أنّ هذا الوجدان عبارة عن وجدان نفس السلطنة؛ لأنّها معلومة بالعلم الحضوريّ لدى النفس، أي: هي موجودة بذاتها لدى النفس، فالوجدان يحكم بها، وهذا يبطل الجبر الأشعريّ والفلسفيّ في وقت واحد، وقد كان يقف أمام هذا الوجدان برهان القائل بالجبر الذي قد يغطّي على الوجدان، فيكفينا إبطال ذاك البرهان بلاحاجة إلى برهان على الاختيار، وقد أبطلناه.

إن قلت: لو كان يكفينا إبطال برهان الجبر بلا حاجة إلى برهان على الاختيار والسلطنة، فلماذا اعترض اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) على المسلك الثاني من مسالك إبطال الجبر، وهو المسلك المنكر لقانون (أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد) والمؤمن في مقابل ذلك بقانون الصدفة، حيث مضى في الإشكال على ذلك ـ بغضّ النظر عن بطلان المبنى ـ: أنّ هذا لا يثبت الاختيار؛ فإنّ الصدفة غير الاختيار، فلِمَ لمْ تقولوا هناك: إنّه لم يكن المقصود البرهنة على الاختيار حتّى يقال: إنّ الصدفة لا تثبت الاختيار، وإنّما المقصود كان ردّ برهان الجبر ونفي المقدّمة الثانية، أعني: قانون (أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد) كاف في إبطال برهان الجبر.

قلنا: أوّلاً: إنّ صاحب هذا المسلك كان يحاول تفسير الاختيار بنفي الوجوب، وإنكار: أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد، فيكفي اعتراضاً عليه: أنّ مجرّد نفي الوجوب لا يساوق الاختيار.